كل سفير أو ديبلوماسي أجنبي، يتحدث العربية، كان يثير مشاعر الحذر والحيطة فينا، سواء كان من الشرق أو من الغرب. وقد أقام البريطانيون في بلدة شملان القريبة من بيروت معهداً خاصاً يعلم العربية لديبلوماسيي صاحب الجلالة، وسمي المعهد بكل بساطة «وكر الجواسيس».
وبعد الحرب توزعت معاهد العربية على مصر والجزائر وسواهما، عندما اكتشف الاجانب ان الفارق احيانا بين لهجة واخرى هو كالفارق بين لغة واخرى.

المستعربون الغربيون كانوا يثيرون الحذر، والمستعربون السوفيات كانوا يثيرون الخوف. فكلما تحدث احدهم العربية وقال انه «يتطمنى التوفيق للجميع» خشيت الناس من انه يتطمنى التقاتل كما يتطمنى وصول الحزب الشيوعي! لم يعد السفير الروسي يخيف احداً. وعندما قال السفير في بيروت امس انه يتطمنى التوفيق للحوار صدقنا بترحاب. وعندما ألتقي السفير وزوجته عند اصدقاء مشتركين يبدو مثل سفير سويسرا او النمسا، او البرتغال، فهو لا يريد ان «يعرف» ماذا يجري في البلد ولا من قال ماذا لمن، بل يريد فقط ان يتطمنى الخير للجميع.

عندما عقد وزير خارجية سورية مؤتمراً صحافياً في موسكو الاسبوع الماضي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بدا واضحاً ان روسيا تريد العودة الى الشرق الاوسط، والى إحياء صداقاتها القديمة، ولكن من باب آخر. انه اقرب الى باب الوساطة وتهدئة الخواطر. وفي الاشهر الاخيرة محت موسكو الديون السابقة المترتبة على دمشق. كما أعلن فلاديمير بوتين خلال زيارته للجزائر هذا الشهر، محو معظم الديون المترتبة عليها. وفي الماضي كانت موسكو تعمل على اثارة العرب ضد اميركا، لكنها هذه المرة جمعت بين المعلم وتيري رود لارسن، المبعوث الدولي الذي يتعرض لنقد شديد من سورية وحلفائها في لبنان.

وهناك ايضاً الدور الوسيط الذي تلعبه موسكو في موضوع المفاعل النووي الايراني. وهو دور قريب من الموقف الدولي العام بقدر ما هو مطمئن لطهران. كذلك زودت ايران سورية بنظام دفاعي جديد، ربما كان صعباً عليها ان تتحصله من اوروبا بسبب خوف الاوروبيين من إغضاب اميركا. ويريد بوتين على الارجح ان يستعيد مكانة روسيا ودورها في الشرق الاوسط، دون ان يتناقض ذلك مع سعيها الى تكريس موقعها كعضو ثامن في مجموعة الدول الصناعية، التي تبدو وكأنها المجموعة الدولية الوحيدة الباقية على قيد الحياة. فقد تهالكت التجمعات الاقليمية الاخرى في آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية. وبعد المصالحة الاميركية الهندية وزوال يوغوسلافيا واتجاه الصين الى الرأسمالية، لم يبق من تكتل عدم الانحياز سوى التحيات والافلام الوثائقية