اعتراف الريماوي

مرة أخرى أعادت الصور والأحداث ما تم قبل أكثر من أربعة سنوات، عندما تمت صفقة المقاطعة التي ما زالت سرا حتى بعد هتكها من قبل الأمريكيين والبريطانيين، ومن خلال القرصنة الإسرائيلية.

ولكن هذه المرة، تُعصب عينا سعدات وعاهد ومجدي وحمدي وباسل، بالإضافة للشوبكي وعدد آخر من المناضلين المحتجزين هناك، ويتم اقتيادهم للسجون الإسرائيلية...

هل هي تتمة الصفقة؟ ويا ترى هل يفرق مكان السجن على سعدات؟! فتجاعيد وجهه طوت أكثر من عشرين عاما في السجون المختلفة! وهل الدم الذي سال هناك يقول شيئا غير وجود الغازي وضرورة المقاومة؟! إذن يمكن الاستدلال على الطريق...ما زال هناك نور...

لعل أول درس يأتي بمثابة التأكيد ولا يحمل الجديد، ويتمثل بأن إسرائيل لا تلتزم بأي اتفاقات سياسية أو أمنية إلا بما يخدم أهدافها ويتطابق وأجندتها. وهذا ما تم في اقتحام جيش الاحتلال لسجن أريحا واختطاف سعدات ومن بداخله من المناضلين الآخرين، فهؤلاء يقبعون هناك بالسجن وفق "تفاهم" بين السلطة الفلسطينية والاحتلال وبرعاية أمريكية وبريطانية، بل أن السلطة الفلسطينية ومقر المقاطعة في أريحا، هما من رموز اتفاق أوسلو بين السلطة وإسرائيل...

من الدروس الأخرى والتي هي أيضا، برأيي، تأكيد ولا بها جديد، تتمثل في حقيقة عدم مصداقية الجانبين الأمريكي والبريطاني، فهما من يتولى حراسة السجن الذي يقبع فيه سعدات ورفاقه، بل هما أطراف تشرف على تطبيق "التفاهم" بشأن اعتقال من هم هناك. وبالتالي فكانت إشارة الاقتحام مرتبطة بوقت خروج هؤلاء "الحراس"، ونرى "موفاز" يؤكد علم جيشه وأجهزته بموعد انسحاب الحراس، وأنهم وضعوا خطة وفق ذلك لاعتقال سعدات ومن معه. فهذا تواطؤ فاضح، لا يختلف عن ادعاءاتهم المتعلقة بالديمقراطية ومعاقبتهم للشعوب إذا ما جاءت إرادتها مخالفة لأهدافهم وسياساتهم الخارجية، فلا بد من وضع الأمور في نصابها، ووقف الزيف والتضليل الذي يتحدث عن نزاهة هذه الجهات وحياديتها.

والدرس الثالث هو داخلي فلسطيني، يتلخص في إعادة الاعتبار للذات الفلسطينية بوحدتها وفاعليتها، فبما أن إسرائيل و"رعاة السلام" لا يحترمون حتى الاتفاقات التي يطلبونها، فلماذا نطالب بعضنا بالالتزام بذلك أو باتفاقات أخرى؟!

فمنذ اتفاق اوسلو وحتى اليوم، لم يتحقق لشعبنا مما يصبو إليه من الحرية والاستقلال شيء، بل أن ما سماه البعض "طريقا للتحرر" من خلال مسميات A, B , C كمناطق نفوذ للسلطة الفلسطينية، قد تبخر هذا الادعاء وثبت بالملموس أنه ليس بمأمن عن جنازير الدبابات الإسرائيلية، إضافة لقضايا الأسرى والاستيطان والجدار والقدس وحق العودة وغيرها، كقضايا تفاقمت وزادت بؤسا.

فاليوم مطلوب من الكل الفلسطيني الإجابة على استحقاق لا مناص منه، يتمثل في التوحد حول خط سياسي موحد يتمثل بالحد الأدنى من الثوابت الفلسطينية، وتجاوز الاتفاقات والرعايات التي أثبت الوقت عدم جدواها وصدقيتها.

وفي المقام الثاني، يتوجب على المجهود الوطني الوحدوي الخروج بجواب وطني وشعبي جماهيري يعالج حالة العبء المتأتية من وجود هيكل السلطة الفلسطينية ومختلف مؤسساتها وموظفيها، بمعنى أن هؤلاء من حقهم العيش الكريم ولكن ليس بابتزاز الشعب الفلسطيني، وعدم تحويل هذا العيش الكريم لوسيلة ضغط أو مدخل لإجبار الشعب وقيادته على التنازل والاستسلام والارتهان لمطالب الاحتلال.

وكترجمة لمثل هذا التوجه، يعود الشعب الفلسطيني ويتواصل بمقاومته وانتفاضته، معلنا للعالم، نهاية تجربة من زيف السلام الذي تريده إسرائيل بشرعية أمريكية ورباعية، ويؤكد مجددا على قضية الشعب الفلسطيني وحقه في مقاومة المحتل طالما لم تُنجز الحقوق الوطنية.