كتب جورج ابراهيم الخوري روايات كثيرة عن حياة الليل والسهر والشقاء. وكان هو البطل في اكثرها. ووضع كتباً ومطالعات كثيرة تحت عنوان «قصتي مع»: ام كلثوم، محمد عبد الوهاب، عبد الحليم حافظ، الاخوين رحباني وسلسلة من كبار الفنانين العرب. وفي تلك المذكرات كان يَظهر دوره دائماً كصديق وناقد وذواقة. وكان خبيراً في الموسيقى الشرقية، وماهرا في نقد الشعر وتصحيح او تعديل القصائد الغنائية. وقد امضى نحو 52 عاماً من عمره وهو يسهر ويكتب ويدندن ويعزف على العود. فقد كان يحلم في بداية حياته ان يصبح مطرباً، بسبب جمال صوته. وهو حلم راود في مرحلة ما، بعض كبار الصحافيين، ومن بينهم الراحل سليم اللوزي، الذي بدأ الصحافة عند فنانة كبرى، هي «روز اليوسف»، نجمة المسرح المصري قبل دخولها دنيا الصحافة.

بسبب عشق سعيد فريحة للفن والطرب، انشأ اول مجلة فنية في لبنان، «الشبكة». واوكل رئاسة تحريرها الى ياسر هواري، الذي تركها ليؤسس «الاسبوع العربي». فتسلمها سليم نصار، الذي ما لبث ان اصبح رئيس تحرير «الصفاء»، التي اسسها رشدي المعلوف. وكان جورج ابراهيم الخوري يكتب انذاك منذ سنوات في «الصياد» زاوية اسبوعية بعنوان «على الراديو»، فنقله سعيد فريحة الى «الشبكة»، يديرها، ويكتب رواياتها، ويوقع نكاتها باسم مستعار، ويشن المعارك الفنية، ويشعل السجائر التي تطيل سهره وتقصّر في اعمار الموهوبين وعاشقي الحياة والسهر والسمر ونجوم الليل في بيروت او القاهرة.

كان يعمل في الصحافة المكتوبة ويقدم برامج اذاعية جذابة، ويؤلف الكتب، كأن الدنيا نهار. وبعد العمل الطويل يغادر مكتبه متأخراً ويذهب الى السهر، وكأن الدنيا اغنية لأم كلثوم، تبدأ في الكشف وتنتهي في الغسق! كان يطالب كبار الفنانين بأن يرحموا انفسهم فيما يغرق في ظلم نفسه. ساهراً، مردداً مع الخيام: «وما قصّر في الاعمال طول السهر». لم تعرف الصحافة الفنية في لبنان مثابراً ومتكرساً مثله. وفي زمن الطرب والغناء كان يكفي ان يطلق كلمة على اغنية حتى تموت. وكان يساعد الكثير من الاغاني على الانطلاق. وكان له في ذلك اسلوب جزل ومقتضب ومفاجئ في سخريته، تعلمه من سعيد فريحة. وقد دخل الى «دار الصياد» وخرج منها صف طويل من الزملاء الذين برعوا واشتهروا وأصبحوا رؤساء تحرير. وكان جورج ابراهيم الخوري، ابو بسام، الوحيد الذي دخل شاباً العام 1954 وخرج مقعداً لا القلم ينزل من يده ولا السيجارة تسقط منها.