لا أحد يطلب، أو يتوقع، من اي قمة عربية ان تجترح المعجزات، لكن الرأي العام العربي بات يطالب هذه القمة بأن تبرر له انعقادها، وان تشرح له لماذا قررت ما قررت ولماذا أوصت بما أوصت وأين فاعلية هذه القرارات والتوصيات عربياً ودولياً وكيف يمكن ان تنعكس على سياسات الدول ومواقفها.

ولا أحد يطلب، أو يتوقع، من الجامعة العربية ان تكون صندوق العجائب الذي يعفي الأنظمة والحكومات من واجباتها ومسؤولياتها، لكن الرأي العام العربي بات يطالب هذه الجامعة بأن تبرر له وجودها، وان تشرح له أكثر ما الذي تفعله وما هي التصورات والبرامج والمشاريع التي تعمل عليها، والى أين يفترض ان تفضي وهل هي متجهة فعلاً نحو اقامة علاقة وثيقة مع المجتمعات والمواطنين، اي مع طموحاتهم ومصالحهم كمجتمعات ومواطنين.

وإذا كانت هناك علاقة ملتبسة نشأت بين الحكام والمحكومين العرب فإن الجامعة لا بد ان تعاني من هذه العلاقة، ولعلها ستعتبر تلقائياً متواطئة مع الحكومات، كونها في الأساس تجمعاً لممثلي الأنظمة. لكن الظاهرة الغالبة منذ بداية التسعينات ان الأنظمة لم يعد لديها ما تفعله سوياً في القضايا العربية الكبرى، لا تحت شعار العمل العربي المشترك ولا في اطار الدفاع المشترك ولا حتى في الخطاب المشترك. وحين وجد العرب عام 1990 انهم عاجزون عن تحرير الكويت من الغزو العراقي ولا بد من الاعتماد على التدخل الاجنبي اصبح انتقال القضايا الأخرى تلقائياً الى الكنف الدولي.

فالقضية الفلسطينية لم تعد تدار عربياً، ولا حتى فلسطينياً، بل ان ادارتها الفعلية هي لحكومة اسرائيل وبمباركة اميركية وأوروبية... وبديهي ان الشأن العراقي لم يعد شأناً عربياً، وكل ما يمكن ان يدعى اليه العرب هو ان يشاركوا في التورط الاميركي للتخفيف من خسائر الاميركيين، او يدعون الى اجراء مصالحة بين العراقيين، لكن بعدما تغير المشهد العراقي كلياً، بل يُطلب من الجامعة العربية تحقيق هذه المصالحة بعدما انزرعت الفتنة الطائفية وبعدما انجز الدستور لخدمة تلك الفتنة وحماية أهدافها... وإذ تنعقد القمة في الخرطوم، عاصمة البلد الذي يوصف حالياً بأقذع وأبشع الأوصاف على الساحة الدولية، بسبب الحرب الدائرة في دارفور، فإن العرب هم أول المستبعدين عن المشاركة في أي حلول لهذه المشكلة. وفي مرات سابقة كان لافتاً أن تصدر بيانات دعم للسودان فيما هو يرتكب أفظع الأخطاء في حق نفسه، خصوصاً عندما تعجز حكومة عن أن تكون لكل مواطنيها، وتدخل في قتال أهلي مع فريق ضد فريق آخر.

وفيما تخوض إيران حرباً دولية، ديبلوماسية وسياسية، من أجل تحصيل حقها في حيازة سلاح نووي، وقد أسفرت هذه الحرب الآن عن تنازل أميركي وقبول بـ «حوار» مع إيران، فإن المجموعة العربية التي ستعاني مباشرة من الخطر الإيراني لم تعط حتى حق قول كلمتها في هذه الأزمة. والأهم أنه لم يسمح لها بإجراء أي حوار مع طهران بشأن برنامجها النووي، ولا يبدو أن طهران وجدت أن أي حوار مع العرب سيكون ضرورياً أو مجدياً. حتى أنها باتت أخيراً ترفض محاورة الأوروبيين، ولم تعد مقتنعة إلا بحوار مباشر مع الأميركيين ليس فقط عن العراق وإنما بشأن رزمة معطيات اقليمية تعيد لإيران دورها. قد يكون هناك تسرع في الحكم على نتائج مثل هذا الحوار، لكن طبيعة المأزق الأميركي في العراق وصعوبة الخيارات في الملف النووي قد تفرضان على الطرفين الجنوح الى البراغماتية التي يتقنان ممارستها. فهل نتخيل مثلاً أن قمة الخرطوم ستشهد نقاشاً يأخذ في الاعتبار احتمالات كهذه، أو على العكس هل تناقش الاحتمال الآخر وهو الحرب أو الضربات العسكرية لإيران وانعكاساتها على المنطقة العربية. لا شيء يؤكد ذلك.

لا شك أن أفضل ما يمكن لأهل القمة أن يفعلوه، طالما أن قضاياهم الكبرى تعالج في مكان آخر، هو أن يخصصوا الساعات التي يلتم فيها شملهم للحديث عن تجارب بلدانهم في مجالات التنمية لئلا نقول «الاصلاح». فعلى هذا الصعيد سيجدون أن لديهم الكثير مما يتبادلونه من خبرة وأفكار نظراً الى تقارب الظروف والمشاكل. وفي هذا جدوى مضمونة ستزيد اهتمام المواطنين بأهل القمة طالما أن هؤلاء يقتربون من معاناتهم.