حاشية قبل المقال

أما وموضوعنا اليوم يتناول القمة العربية، فلا أجدر من ان نقدّم له بهذه الكلمات عن التعديل الجذري الذي شهدته قمة السلطة السورية، وفي أحرج اوقاتها: تعيين امرأة لنيابة الرئاسة، تحمل اليها زاداً من الخبرة في الحكم والسياسة، وإرثاً ثقافياً مكّنها من اقامة جسور من التفهّم والتفاهم، وفي العمق، مع العاصمة بيروت التي كانت السياسة تكاد تتغلب على التواصل الطبيعي بينها وبين "الداخل السوري" لولا انقاذ وزارة الثقافة السورية لهذا التواصل في حواراتها المستمرة لا مع السلطة الثقافية في لبنان فحسب، بل مع موائل الثقافة العربية اللبنانية الأكثر اصالة ونهضوية.

أملنا ان يكون رفع الشأن الثقافي، في عهدة الوزيرة الناجحة، الى مرتبة نيابة الرئاسة مؤشراً لفتح حوارات سورية لبنانية وسورية عربية على غير ما كان محتكراً في الماضي القريب والأبعد للأجهزة و"الخارجيات" التي انقلب "سحرها" المشؤوم على السحرة الصغار والكبار... ويستمر!!!

قلّ ان انعقدت قمة عربية في مثل الضبابية التي تنعقد فيها قمة الخرطوم... هذا اذا اكتملت، رغم تهافت الغياب عنها، واستمر جدول اعمالها في غرق بنوده في هاوية "تدويل" مواقع بحثه وتقرير حلوله.

نبدأ بمصير العراق المتمزق بحرب أهلية مذهبية، يفترض في قمة الرؤساء العرب ان تحول دون استمرارها، انقاذاً لعروبة العراق، فضلاً عن وحدته ووحدة حكمه العربي العتيد...

فاذا بالأمر قد صار، وعلناً، متوقفاً مصيره على "الحوار" في لجنة المفاوضة النووية الايرانية – الاميركية!

ولا من يعترضون على "تدويل" كهذا...

بينما ترتفع في لبنان أصوات الإعتراض، متعالية، ومتزايدة الجهالة، لأن ازمة الحكم اللبنانية تتكاثر في شأنها قرارات مجلس أمن دولي انشئ بموجب شرعة وقّعناها كلنا، بالذات من أجل معالجة أزمات كهذه وسواها عندما تصبح تشكل خطراً على السلام الدولي او مخالفة للشرعية الدولية الأرفع سلطة من الشرعية الوطنية... ولا يفقهون... كأنما صار وجود دول، كبرى وصغرى، تهتم بالشأن اللبناني جناية، بينما ديبلوماسية الدول الصغرى، شأن لبنان، تهدف بطبيعتها لاكتساب اهتمام الدول الكبرى والصغرى، والمراجع الدولية على حد سواء، بالسلامة اللبنانية قدر اهتمامها بالأمن والسلامة الدوليين... أو لا معنى للمجتمع الدولي... فأين الجناية في التدويل، وخصوصاً بعد ان يكون "التعريب" (الذي هو شكل من اشكال التدويل، ومدوّلاً بدوره!) قد عجز حتى عن بلورة مبادرة عقلانية قابلة للصياغة بغير ما يشبه الدعوة الى مصالحة القاتل مع القتيل... وكأنما لبنان، كلما اختلف مع شقيق او شقيقة، تصرّف الاخوان العرب وكأنه مفروض عليهم ان يحلّوا لبنان في محل المخالف والمسؤول، والفريق الآخر في محل الواجب العناية به حتى انقاذه... هكذا كان الأمر عندما فاضت الثورة الفلسطينية في شوارع بيروت، منذ عام 1968، فتدخلت الجامعة "لحماية الثورة" وكأنما لبنان ليس صاحب الأرض والسلطة، بل هو المعتدي. وظل الامر يتكرر طوال "الحرب الأهلية"(!!!) الى ان انتهى الأمر – بعد عقد "اتفاق القاهرة"! - بالجامعة الى انشاء "قوة ردع عربية"، كقوة حفظ سلام عربية ما لبثت ان "تسورنت" فصارت قوة تدخّل في الحرب، تارة مع هذا الجانب وطوراً مع ذاك، والسلام يتضاءل والحرب تتسع وليس بين العرب من يستمع حتى ولا الى صوت الشرعية اللبنانية، ولا حتى الى صراخها... وصراخ الأبرياء الذين تهدّمت مدائنهم وتزايد قتلاهم... مع مفارقة اضافية ان بعض العرب كان يسلّح هذا الفريق وذاك ويموِّل تحاربهما!!!

فما هو السر؟... ولماذا يكون فشل التعريب في احلال السلام أو حل الأزمة حلالاً، ومحاولة التدخل الدولي "تدويلاً" ومحرّماً، بل مجرّماً سلفاً؟

ترى هل على جدول اعمال الجامعة او في جعبة أي من كبارها أي آلية لحل تتجانس مع الادارة اللبنانية او تحافظ على اللبنان المعتدى عليه، بدل التطلع الى كيفية منع فيض العنف من المعتدي الى بلدان جواره، ولو كان الثمن، بل الفدية، لبنان؟

وما يقال عن مفارقات التعريب والتدويل في شأن لبنان يذكّرنا بالموضوع الذي كان يجب ان يكون الأحرى بالبحث في قمة سودانية، عنينا "دارفور". هل في وسع العرب مساعدة السودان على التغلّب على أزمته الأكثر مأسوية في تاريخه الحديث، وقد ذهب ضحيتها مئات الآلاف من القتلى – وأكثريتهم بالتجويع! -، وحاولت الدول الافريقية، العربية منها وغير العربية كل ما في متناولها ففشلت... ولما يئست، نفضت ايديها من دماء الابرياء ونادت على "التدويل" الذي لا يزال متردداً، والجامعة وقمتها معتصمين بالصمت؟ لماذا؟ وبأي منطق، وهل اذا جاء الحل من التدويل يصرخون غداً، كما في لبنان، ان الأمر خيانة ويجب رفع يد مجلس الأمن وبقية المؤسسات الدولية عن دارفور وتركها تغرق انما "وطنياً" ولا بأس؟!

ونصل الى جوهر القضايا العربية، فلسطين، حيث جاءت الانتخابات الديمقراطية بحركة "حماس" الى السلطة، فاذا بالقمة العربية تهيئ نفسها للسقوط (وحتى الهاوية، صدّقونا!...) ضحية خلاف داخلي على صلاحية التمثيل الفلسطيني، بينما المصير الفلسطيني تعصف به الأعاصير الاسرائيلية التي تعجز القمة ودولها مجتمعة عن أكثر من التفرج عليها... ولا هي تقدر على مواجهتها بالقوة، ولا هي تنوي حتى المحاولة... كما انها لن تحاول حتى الدفع في اتجاه مفاوضات سلام او تنشيط المفاوضات التي تركت، ومشروع الدولة الفلسطينية، على قارعة طريق "خريطة الطريق" خشية ان تتهم القمة بمحاولة تدويلٍ خائنٍ... كأنما ثمة بديل من الحرب المستحيلة الانتصار غير محاولة سلام، ومع العدو، لانقاذ ما يمكن انقاذه ووقف النزف البشري ونحن صاغرون وكأننا لا نملك غير حق الفرجة والإستنكار...

الى أين القمة؟

لا أحد يعرف... وأقلنا معرفة هم الذين سيتسلقون تلك القمة للجلوس على مقاعد الصمت والحيرة و... العجز الدولي، اضافة الى العجز العربي المتراكم.

وحذار... فقد يبلغ بهم منتهى الكفر حد التصدي لمنع "حماس" من قطف ثمار انتصاراتها في المقاومة كما من الديمقراطية... وتتعمم القاعدة.

فحذار، حذار... حذار ان ننزل بالقمة الى هاوية "اليأس الكلي"... وهو نظير "النيهيلية" الانتحارية المتجلببة بالعنف المجاني، يحاول مقارعة عنف المقاومة المنتصرة حججها، وكأننا فطرنا أبداً على الهزيمة، ونقيم لها اسواق عكاظ تخترع للنكبات اسماءً مستعارة نعزّي بها نفوسنا المريضة.