هل يكون يومنا "الحواري" – كمثل الطقس الذي نعاني – يوماً خريفياً آخر في مسيرة الربيع؟

وهل، مرة اخرى، تخيب آمال الذين توقعوا ان يقدر وسيط عربي ما، ولو واحداً، على فتح طاقة ضوء في أسوار السجن العربي الكبير ينفذ منها نسيم الربيع الديمقراطي العربي؟

أم يثبت ان ثمة أسباباً وأسباباً تستمر تحول (رغم اطمئنان دمشق الى وساطة "فصائلية" فلسطينية أكثر من اطمئنانها الى وساطة بعض كبرى الدول العربية!)،

وأبرز هذه الأسباب:

أولاً: ان ما حدث في لبنان من تظاهرات شعبية تعدّ بمئات الألوف (بما فيها بالذات 8 آذار) لا يمكن ان يستهوي حكاماً عرباً، كالقذافي مثلاً، يحتسبون ويتحسّبون للملايين الذين سيجوبون شوارع مدائنهم اذا انسحبت القاعدة وتعمّمت... وما يصحّ التخوف منه في ليبيا يصح كذلك، وربما أكثر، بالنسبة الى مصر و"ديمقراطيتها" المرتجفة الواجلة حيث تسلل العنف هذا الاسبوع بالذات الى أعرق هياكل الحزبية الديمقراطية المحافظة!

وهل من حاجة لأن نكرر ان وحدها الكويت تجرأت وقامت باختبار ديمقراطي مميّز، ونجح، دون اللجوء الى مساندة في الشارع... وظلّت دولة الكويت وحدها تتجرأ؟!.

ثانياً: ان الخطاب الاعلامي اللبناني التحرري يشكّل نموذجاً يستهوي القوى الديمقراطية العربية، لكنه يشكّل كذلك خروجاً على نهج الإعلام الرسمي العقائدي المتمثل في الحملات السورية المستمرة، ومنطقها المستعر الأعوج الذي يحلّل لها، في آن واحد، ان تتصنّع – "من طرف اللسان حلاوة"؟ - استنكار الاغتيالات المتّهمة هي بها، والاستمرار في تجريم الضحايا والتحريض على الشهداء حتى "بعد الوفاة"... فكيف؟ كيف لا تختار النظم الاستبدادية النهج السوري، متى خُيّرت؟ وكيف يُنتظر منها ان تحصّن، ولو بوساطة، إعلاماً "يحرّض" على التحرر من الديكتاتورية والظلم وكيف لا يستهوي التضامن مع الاستبداد لا "منطق" المساواة بين القتيل والقاتل، فحسب، بل بين السجّان والأسير؟

ثالثاً: كيف كان يمكن ان نظن ان انظمة عربية تحتاج الى أي مظهر من مظاهر التضامن الاسلامي المقاوم ربما تسقي به "شعبيتها" المفقودة بل الغوغائية، يمكنها ان تميّز بين منطق الثورة، فتؤيده حصراً، في اطاره الثوري، و"منطق الدولة" فتنفتح على الحاجة السيادية اليه؟

رابعاً: ان الدعوة اللبنانية العقلانية الحوارية الهادفة الى تجاوز القبلية الطائفية فيها شيء من "السباحة ضد التيار" بالنسبة الى المجتمعات العربية التعددية الأخرى، حيث الجنوح الى الاستشهاد يذهب الى حد الحروب الأهلية المذهبية، ولو"غير المعلنة"، والتي تمج لغة "قطع الاعناق وبتر الايادي وخطف الارواح" - حتى حين تمارس ذلك!... - أوَلا ندرك ان مثل هذه اللغة، مضافة الى مشاهد التظاهرات الجماهيرية، تبعث في نفوس الانظمة العربية هواجس، بل كوابيس لا قدرة لها على احتمال رؤيتها، فكيف يمكن الظن أنها يمكن ان تدافع عن حق ممارستها ولو عند الغير؟

... ومع ذلك كله، يجب ان نستمر في "التفاؤل بالخير حتى نجده"، وان نستمر نرفض الاتهام بأن العرب، كل العرب، لايزالون "ظاهرة صوتية" (والقول لكاتب معارض سعودي اشتهر في الستينات من القرن الماضي)... ولا نهضة تحررية ممكنة في افق قريب!

نعم نتفاءل، ولو بحذر، عندما نقرأ (أمس بالذات)، دعوة الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود الى الاستمرار في مقاومة الارهاب والقيام ولو بتأنٍّ بالاصلاحات في النظام، كمثل "تعميق الحوار وتحرير الاقتصاد ومحاربة الفساد"... ثم هذه الصرخة: "لا نستطيع ان نبقى جامدين والعالم من حولنا يتغيّر".

حبذا لو كان سمع هذا الكلام عرب قمة الخرطوم قبل الهرولة للإنتصار على ربيع لبنان!