نجيب نصير

لا أدري لماذا يجب ان يكون لدينا طبقة وسطى، كما أنني لم الحظ وجود تلك الطبقة ( والتسمية هنا تجاوزا )إلا من باب توسط الدخل بين العالي والواطي، ربما من قبيل مديح المستعمرين الذين أوجدوا طبقة الموظفين التي يمكن إطلاق صفة الوسطى عليها آنئذ نظرا لتمتعها بالعلم والثقافة المؤطرة بالفعل الخيري، ولكن إطلاق الطبقة الوسطى كتسمية غربية للكم الأكبر من الشعب انحسرت بعد الاستقلال، حتى ولو بقيت التسمية، لأن سماتها الأساسية غابت عن الساحة الاجتماعية.

فالطبقة الوسطى بالتعريف هي الطبقة المعنية بالإنتاج بغض النظر عن ماهيته صناعة أو غلالا أو فكرا، وليس التفكير ببنى فوقية وتحتية لشرح مفهوم الطبقة الوسطى لأن إنتاجها هو ناتج عملية اجتماعية عامة تقتضي الكفاية والأمان، ولعل حرية الرأي والضمانات السياسية والحقوقية هو من ابرز الطبقة الوسطى إلى سطح الفعل الاجتماعي مؤقتا ( مصر سوريا لبنان العراق الخ ) ولكن ومع بدايات وما قد سمي لا حقا الحكم الوطني الثوري فقد تم تجريد هذه البدايات حقوقيا أي إخراجها من الزمن وبالتالي اللجوء إلى الماضي كبيئة إبداعية مخصية سلفا بناء على سياسات الخوف والتجويع، أو ما يسمى إدارة الأزمات لتذهب ما يمكن ان تشكل الطبقي الوسطى من جماعات بشرية إلى التنافر المصلحي حيث يظهر جدلها وكأنه ( بل هو ) صراع فردي على البقاء حيث لم يعد من وظائفها موضوع الإنتاج الوسيلة الوحيدة للتغيير والارتقاء، والمشكلة الأكبر التي تواجهها المجتمعات الفاقدة للطبقة الوسطى المنتجة هي مشكلة تغييرها من الخارج اتساقا مع المنتج المعرفي الخارجي، لتعود المماحكة المزيفة شرق غرب، أو دار حرب ودار إيمان، أو الكيل بمكيالين والى ما هنالك من محاولات رفع مستوى الاستهلاك كي يتوافق مع الإنتاج والمولجون به.

ان إدخال مصطلح الطبقة الوسطى إلى أدبياتنا هو إطلاق تسمية استهلاكية على مستهلكين تستطيع دخولهم سد رمقهم بالحاجات الكلاسيكية ( أكل وشرب والقليل من المتعة الموجهة سلفا تلفزيون سينما مطالعة ) أي مستهلكين لا يجوعون فقط وليس لهم من قدرة على الدخول إلى جدل العصر إلا من خلال الفساد والفهلوة المناقضين لمفهوم الطبقة الوسطى التي تستطيع التغيير اجتماعيا ( في البنية الاجتماعية ) لذلك نرى ارتكاس شديد في صورة المجتمع الذي فقد حيويته ومقدرته على المبادرة بين منتصف القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، حيث بدا المجتمع برمته مناقضا لعصره، ليصل إلى مرحلة لا يمكن توصيفها بالتخلف وانما يمكن وصفها بممانعة التقدم، والذي تجلى في صراع استهلاكي ( يطلق عليه زيفا ) صراع ثقافي.

ان أزمة المجتمعات العربية اليوم تختصر بعقمها عن ولادة طبقة منتجة وليس المهم تسميتها بعد اليوم ( المهاجر في الغرب أو في الخليج هو من أعضاء الطبقة الوسطى هناك ولكنه مليونير أو أكثر بالقياسات المحلية العربية ) بطبقة وسطى أو دنيا، إنما بمقدرتها أو أهليتها أنت تكون منتجة بمقاييس هذا الزمان، الذي لن يستقبل احد بأسماله الفكرية والثقافية، ولن يقبل بتعريف للحضارة والمدنية خارج عن حضارة ومدنية هذا العصر مهما كان هذا التعريف شريفا ومشرفا، حيث تبدو النقطة الأساسية في مفهوم الارتقاء هي نقطة الاستهلاك والإنتاج، والصراع الثقافي هو كالتالي:إذا كان الارتقاء مسببا من الخارج فهو لكي تصبح مستهلاكا ممتازا، وإذا كان الارتقاء مسببا من الداخل فأنه لا مجالا إلا ان تكون منتجا ومعاصرا وهذا يتطلب طبقة وسطى !!! ولكن ماذا تتطلب الطبقة الوسطى كي تكون ؟؟؟؟؟ سؤال كلنا نعرف إجاباته وهو وفي كل الأحوال ليس جرة قلم انه بنية اجتماعية وعقلية لا تخاف الجديد.