هل نحسن الصنيع في الوقت المناسب؟

هل لدينا سرعة البديهة اللازمة والضرورية في عصر (الإعلام) لكي لا يسبقنا الوقت والآخرون في اغتنام الفرص السريعة التي لا تعود؟

هل نعرف وندرك تماما ما مدى قدراتنا الخاصة وما هي إمكانياتنا الفعلية لكي لا نتردد في استغلالها لتغيير مسار مجريات الأمور لتكون في صالحنا على الساحة الدولية؟ وهل وهل وهل؟؟

وهناك آلاف ألـ «هلات» التي نعرف جميعا أجوبتها ولكننا نحتفظ بها لأنفسنا: لأننا لا نملك منبرا بضمير صادق... ولكنها منابر تريد أن تصب في معظم الأحيان للمصلحة الشخصية المحدودة التي لا تتعدى مساحة الظل التي يقف عليها الإنسان العربي. ولو أحسنا استغلال الفرص النادرة لما تحولنا إلى مجرد إرهابيين قتلة متخلفين في نظر الكثيرين من شعوب دول العالم.

ومن بين تلك الفرص النادرة التي مرت علينا نحن المسلمين والعرب بكل برود ودون استغلالها أفضل استغلال ولو على المستوى الإعلامي فقط، تلك الوثائق الخطيرة التي نشرها اثنان من أساتذة الجامعات الأميركية واللذان دفعا بعدها ثمنها باهظا في البحث عن الحقيقة.

وربما كان اندفاعهما في كشف المستور من العلاقات الخفية التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل قائما على إيمانهما الراسخ بحرية الكلمة في دولة عظمى همها في الأيام الأخيرة نشر الحرية في بلدان العالم الثالث.

فالأكاديميان الأميركيان ستيفن ولت أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد و جون ميرشايمر وهو الآخر أستاذ العلوم السياسية ولكن في جامعة شيكاغو وهما في واقع الأمر من بين مجموعة كبيرة من مثقفي الولايات المتحدة الأميركية والعالم ممن (أحسوا) بخطورة الأمر .

وتطوره بشكل مرعب وبالتالي بضرورة كشف الحقيقة أو الفلسفة التي تقوم عليها تلك العلاقة التابو أي المحرم الحديث عنها - أمام الرأي الأميركي والعالمي لإيقاف دائرة الشر قبل أن تستفحل وتأتي على الأخضر واليابس.

وبالأخص دور اللوبي اليهودي ومن خلفه برامج الدولة العبرية السرية والبعيدة المدى والتي منذ نشر بروتوكولات حكماء صهيون قد تكون وضعت خططها للسيطرة على مقدرات العالم دون أن يستطيع أحد إيقاف كرة الثلج تلك التي أصبحت هائلة ومدمرة.

وحيث استهجن العالم قبل أكثر من شهر ثورة المسلمين في جميع أنحاء العالم ضد الرسومات الكاريكاتيرية التي مست شخصية خاتم الأنبياء والرسل محمد عليه الصلاة والسلام، بدعوى أن حرية الكلمة مكفولة للجميع في العالم الحر (أي بعض دول أوروبا وأميركا وإسرائيل فقط أما ما دونهما فإما أشباه أحرار أو طغاة).

فإننا نتساءل اليوم ترى في أي خانة من الحرية تضع الشعوب الحرة (والصحيفة التي نشرت تلك الرسوم بالأخص) حرية الكلمة التي شطبت بدون أي تحقيق اثنين من كبار أساتذة الجامعات الأميركية من سجلاتها لأنهما تحدثا بواقعية معتمدة على المنهج العلمي عن علاقة من نوع خاص تربط بين دولتين موجودتين على الخارطة.

ترى كيف نثق بعد اليوم بجامعات الولايات المتحدة الأميركية التي كان يضرب بها المثل في الرقي والمنهجية والموضوعية والنزاهة؟

وبالخصوص جامعة هارفارد العريقة التي كنا نشعر بالدهشة والتبجيل لكل ذي حظ يحمل أصغر شهاداتها ولو كانت قصاصة صغيرة من الورق؟ إ

ن قيام إدارتي الجامعتين بإقالة هذين الأستاذين يثبت ما كانا يدافعان عنه: إن اللوبي الصهيوني ليس له قراره على إدارة البيت الأبيض فحسب وإنما في كل مجالات الحياة .

ومنها الجامعات التي يفترض أنها مستقلة لكون هدفها الأساسي هو نشر العلم وتشجيع البحث (العلمي الموضوعي). ترى هل كانت هاتان الجامعتان ستفعلان الشيء نفسه لو أن أحد أساتذتهما نشر بحثا يمس تاريخ العرب والمسلمين بالإساءة؟

إن الأستاذين السابقين لم يذهبا إلى أكثر من كشف حقائق فعلية تتعلق بالعلاقة (الخاصة) التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة اعتمادا على دلائل ثابتة. لا أكثر. إلا أن كل شيء جائز عندما يتعلق الأمر بموضوع اليهود حتى ولو قتلوا البشرية جمعاء.

عندما نشرت في روسيا عام 1903 مقتطفات من بروتوكولات حكماء صهيون (التي قدمها تيودور هرتزل مع مجموعة أخرى إلى المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في سويسرا عام 1897) ثم النص الكامل لها عام 1905 قامت الدنيا ولم تقعد.

واعتبره اليهود كعادتهم عندما يتم ضبطهم متلبسين بالجريمة، بأنه عمل (ضد السامية)، تلك الجملة التي أصبحت موضع استخفاف بين المثقفين في العالم أمام ممارسات اليهود في فلسطين وبعدما بالغ اليهود في استخدامها في كل مناسبة صغرت أم كبرت.

وبأن تلك الوثائق بالتالي لا تعدو كونها من مزيفة ومن (تأليف) ضباط اليمين من البوليس الروسي السري. وعندما لم يصدق العالم حجتهم، ذهبوا بعد ذلك إلى القول إن أدولف هتلر الطاغية قد استخدم تلك البروتوكولات في حملته ضد اليهود التي أودت بحياة الملايين منهم حرقا أو خنقا.

وإن صح أن تلك البروتوكولات من تأليف اليهود، فإننا لن نستغرب إذن في سياق تلك الوثائق من نفوذ اليهود في توجيه سياسات الولايات المتحدة بما يخدم تحقيق أهداف تلك البروتوكولات .

ومنها السيطرة على مقدرات العالم بأكمله؛ أما إن كانت مزيفة، فإننا نطرح السؤال التالي: ما الذي دعا الروس في ذلك الزمن إلى تلفيق تلك البروتوكولات ضد اليهود الأبرياء؟

ولماذا ضد اليهود دون غيرهم؟ ترى ماذا فعل اليهود في روسيا ليستحقوا تلك الكراهية؟ ولماذا استعان بها هتلر لتصفيتهم بتلك الكراهية البشعة لجنسهم هم بالذات؟ ويبدو أن اليهود قد استقبلوا بذلك الكره في كل مكان ذهبوا للعيش فيه.

ويقال أن بريطانيا عندما أيدت قيام وطن قومي لليهود كان بهدف التخلص من نفوذهم وتدخلهم في شؤون البلد الذي يعيشون على أرضه، وفي تاريخ فرنسا قضية شقت المجتمع الفرنسي إلى فريقين وكادت أن تتحول إلى حرب أهلية وسببها:

الفرد دريفوس اليهودي الذي اتهم بالخيانة لتسليمه وثائق عسكرية سرية تابعة للجيش الفرنسي إلى السفارة الألمانية عام 1893. وهكذا أينما حطوا رحالهم.

وحيث إن الأسباب قد تكون واحدة والنتيجة واحدة، فلن نستغرب أن تنقلب الولايات المتحدة شعبيا في يوما ما ضد التأثير الصهيوني في مقدراتهم وسيطرتهم الكاملة على مجالات السياسة الداخلية والإعلام والاقتصاد والمحاماة والقضاء والطب:

خاصة بعد أن ساءت سمعة الولايات المتحدة في العالم وتعرضت لأول مرة في تاريخها لأبشع هجوم خارجي يقع على أراضيها القومية نتيجة لدعمها الكيان الصهيوني الذي ينام في نعيم على بعد آلاف الأميال منها.

ووجدت نفسها ترسل أبناءها إلى العراق وأفغانستان في بزاتهم العسكرية الجميلة ليعودوا في نعوش من الخشب وليتم دفنهم سرا، و ليس ذلك إلا لحماية أمن دولة إسرائيل وباعتراف صريح من جميع الزعماء الأميركيين.

هذا بالإضافة إلى المليارات من الدولارات التي يدفعها المواطنون الأميركان لتذهب إلى خزانة الدولة العبرية ثم يعاد تكرير تلك الدولارات لتصبح قنابل أو ذخائر حية تطلق على الفلسطينيين ولهدم مساكنهم على رؤوسهم وببث مباشر على الهواء على القنوات الفضائية الأميركية نفسها.

وحيث أن الإعلام الأميركي - حسب التقرير الذي وضعه الأستاذان السابقان - في يد اللوبي الصهيوني، فإن المواطن الأميركي لا يرى إلا الوجه الآخر من الحقيقة. وهذا ما أرعب اللوبي الصهيوني عندما تم نشر تلك الحقائق التي فضحت الكثير من المستور والمحرم.

والخوف أن يدرك الشعب الأميركي في يوم من الأيام طبيعة الوحل الذي سقطوا فيه والفخ الذي نصب لهم، وأنه ضحك على ذقونهم على مدى أكثر من نصف قرن، وأنهم يعملون ليل نهار لكي يذهب دخلهم في النهاية لحماية مجموعة من مجرمي الحرب كمناحيم بيغن وشامير وشارون وأولمرت.

والخوف أن تتحول صدمة الأميركيين أمام تلك الحقائق إلى موقف يشبه موقف النازية في منتصف القرن الماضي ضد اليهود، ويبدو أن اليهود لم يتعلموا من التاريخ شيئا، وأن البلاء الذي أصابهم يعود إلى أسلوبهم في التعامل مع البشرية.

لقد بدأ الإعلام الأميركي الحر نوعا ما يتحرك قليلا ويعيد قراءة تلك الوثائق بشيء من الجدية هذه المرة، ولكن السؤال: متى سيتحرك المسلمون والعرب لاستغلال تلك الفرصة الذهبية؟