نجيب نصير

لا يكفي أخذ العلم بالبلدان حتى تصبح أوطانا، صحيح أن الحقيقة هي وجودها والعلم بهذا الوجود، ولكن الثبات تجاه ما هو محيط بهذه الحقيقة هو إلغاء لها، فالعلم بوجود إنسان ما أو بناء ما في غابات الأمازون يغير تماما من حقيقة وجوده السابقة، وهكذا الأوطان، فالعلم بها لا يعني شيئا خارج حركية هذا العلم بها، لذلك تبدو كل تنظيراتنا القومية سورية عربية إسلامية ( بغض النظر عن صحتها النسبية أو المطلقة ) هي حقيقة منقوصة أو لا حقيقة بالمعنى المعرفي الممارس على ارض الحياة.

جاءت سايكس بيكو كحقيقة علمنا بها ولكن لم نعرفها، ولكنها عرفتنا وعرََََََّفتنا، وأسميناها كذبة ومؤامرة ولكننا مارسناها كمعرفة ودافعنا عنها في أوقات ملماتها، مقدمين للفناء كل أحلامنا التي نعلم إنها الحقيقة ولكن سايكس بيكو تجذرت في الأرض القابعة تحت أقدامنا مراهنين على الخندق الأخير في نفوس أبناء الأمة أي روحية الأمة معتبرين الموضوع حقيقة ثابتة لا تتغير، ولكن هذا الخنق الأخير المعرض للتغيير شأنه شأن كل مقومات الدفاع عن الأمة، يقع مباشرة قبل الفناء فإذا لم يعمل وهو ليس في علم الغيب فقط وإنما في علم الممارسة الحياتية لما قد يسمى مواطن فان الفناء بمعناه الشامل ينتظر فاتحا شدقيه لاستقبالنا.

ربما وبسبب اللغة التي لما تزل تراثية شكلا ومضمونا، مبنى ومعنى، فالفناء يعني إزالة الحياة نفسها عن الوجود، أي أن الفناء مرتبط بوجودنا الفيزيائي فقط، ولكن من يضمن أن لهذا الوجود الفيزيائي أية قيمة ؟ ، أو من يضمن أن لهذا الوجود الفيزيائي أن يشكل فارقا مع عدم وجود هذا الوجود الفيزيائي، بمعنى آخر وفي التفكير بالمؤامرة التي تجتاح حياتنا المعاصرة منذ ( اندلاع ) الثورة الصناعية والى اليوم من فكر من هؤلاء المتآمرين بفشل مؤامرته ؟ مع ما شكلت وتشكل هذه ( المؤامرات ) من إفناء لشكل سابق من أشكال الحياة المجتمعية ؟ أن العيش في ظل سايكس بيكو ( وعلى سبيل المثال لا الحصر ) هو القبول بمقومات حياة غير طبيعية ولكن أن ندعم هذه المقومات فأنه يعني قبولنا بالفناء تحديدا، وبالتالي السماح لأي مقومات فناء أخرى بالدخول إلى مقومات عيشنا المجتمعي، لذلك يبدو الفناء هو حراك مجتمعي في المقياس السالب، والاعتياد عليه هو فرط لروحية الأمة / المجتمع ليصبح الخلاص الفردي ( ومنه دخول الجنة ) الغاية القصوى للمبادرة على صعيديها الفردي والتجميعي ليبدأ المجتمع بالتفسخ أي ليبدأ في حراك في المقياس السالب الذي لا يعاكس حركيات الأمم الحية المعاصرة فقط وإنما يبحث عن آليات إفناء لنفسه تشبع اعتياده أو إدمانه على الفناء، ربما يقول قائل أن العالم تغير بين قبل وبعد 11 أيلول أي أن هناك أشياء ومسائل اندثرت، ولكن السؤال هو على من تغير هذا العالم ؟؟؟؟؟؟