خولة غازي (شام بريس)

عندما خطت قدماي شوارع بيروت قفزت الى ذاكرتي محاضرة الشاعر ادونيس عن بيروت التي ألقاها في مسرح المدينة منذ مايقارب الثلاث سنوات فقال فيها "مأوى بلا وطن ، مدينة بلا مدينة ، مكان تجارة لاحضارة" ... يومها تناولت الأقلام أدونيس معتبرة أنه جاحد بحق مدينة أعطته الحرية ...

لم يكن أدونيس قاسياً بحق هذه المدينة فمن يحبها يقول أكثر مما قاله لان ماتناوله يكتشفه القادم لبيروت التي أصبحت مؤخراً تهيم على سطح تتجاذبه تناقضات سياسية وفكرية محدودة ومغلقة ومعلبة ....ومن يتجول شوارعها يخال نفسه في مدينة عادية في بلد أقل من عادي مدينة هجرها أهلها على حساب أخر مبتكرات السياسة والموضة ....مختلفة عن التي تغنى بها كبار الأدباء والمفكرين ...... مدينة الهوية فيها مشوشة ومتضاربة .. فاللهجة اللبنانية أصبحت "تبولة" كلمة بالعربي وعشرة بالفرنسي وتسعة بالأنكليزي ....

وتكاد تكون شوارع بيروت خالية الا من سكانها مع عدد قليل من السواح والعرب و"شوية "سوريين كانوا قبل عام يملؤون شوارعها ....
اين شارع الحمرا الذي له في نصيب ذكريات بيروت "قلبها"فلايجد زائره الا أخر صيحات الموضة وأسماء الماركات الأجنبية التي يتغنى بوجودها البيروتيين وعدد قليل من المقاهي القديمة المحدثة والكثير من العمال الأسيويين ....

بيروت مدينة محيرة للغاية فيها الجميع على حق والجميع على خطأ ... ففي شوارع الأشرفية مثلاً تجد الكتابات المؤيدة للجنرال عو ن وفي شوارع أخرى ترى من يناصر جعجع " الحكيم" .. وفي برج حمود شعارات حزب الطاشناق وفي الضاحية صور السيد"نصرالله" .
ويخال زائرها أنهاواقعة في اشكالية أزمة الهوية وأزمة ترتيب أوراق ، أحد الصحفيين قال لي لديكم في سوريا شباب رائع أتحاور معهم من خلال الأنترنيت ، وهم فعلاً مثقفيين حقيقيين ، أما نحن وللآسف بتنا نملك شباباً يتفاخر "بالعلكة" والموضة . بالتأكيد ليس كل اللبنانيين بتلك المواصفات ولكن ماهو طاغ وطاف على السطح هو هؤلاء.

لم تعد بيروت تمتاز عن مثيلاتها من المدن العربية بشئ الا بنقل الخلافات السياسية الى الأعلام كمادة يومية دسمة للراغبين في تتبع مجريات الأحداث ، وبصناعة النجوم وتغيير "اللوك"..... بيروت تلك المدينة الضاجة بالحياة في الخمسينات تراها اليوم تضج ضجيجاً مختلفاً لايرغبه الكثيرين ....بحيث باتت بوابة "فاطمة "تفوق المدن اللبنانية أهمية ومتعة في رؤيتها

في بيروت تشتاق لمدن حافظت على هويتها لا لمدن أصبحت مكاناً لتجاذب ثقافات متعددة..تشتاق لمدن اشتثنائية تدعوك للحياة على ايقاع تاريخها ،لان بيروت تدعوك للحياة على ايقاع جديدها الوافد من وراء البحار لكل المدن متعة ومتعة بيروت أخالها متعبة ....
فبعد مضي ثلاث سنوات تقريباً على محاضرة أدونيس الشهيرة هل مازال من خالفوه الموقف منها لايرون ماقاله في ثقافتها حقيقة " فثقافة بيروت كهندستها : الدين هو الأساس الأول لها وهي نوع من الأستزلاف لكثرة مانتطوي عليه من الرياء والزخرفة والتبجح ... فليس في الثقافة اللبنانية حوار حقيقي بين أطرافها ، هناك ضوضاء كلامية : مدح أو هجاء"