مرة قيل لبسمارك : انت موحد المانيا ، فاجاب : لست انا بل طرق المواصلات ،ومرة تحدث ناحوم غولدمان عما جنته اسرائيل من قصة الهولوكوست،فقال: لولا اموال التعويضات لما استطعنا تاسيس البنية التحتية لاسرائيل وخاصة طرق المواصلات ،واليوم اذ تستعد دولة الاغتصاب العبري للافادة من المرحلة التي يعيشها العالم والعالم العربي بشكل خاص لتثبيت واقع الاقتطاع والضم في الارض المحتلة ،فانما تضع في اول وسائل هذا التثبيت انشاء شبكة قوية من طرق المواصلات ، عابرة من الطرق البرية التقليدية الى شبكة من الترامواي ومن ثم الاندرغراوند .

اول هذه المشاريع هو شبكة ترامواي يبلغ طولها ثلاثة عشر كيلومترا ، تمتد من المستوطنات الى القدس الى حيفا ، بحيث تبدأ من بيسكات زئيف وتنتهي في حيفا عابرة فرانش هيل وجبل هرتزل ، وتقوم بعزل بعض المناطق الفلسطينية خاصة مخيم شعفاط الذي يضم 38 الف فلسطيني . اما هدفها السياسي الاول فهو تثبيت واقع الجدار وتدعيم الضم في الضفة واطباق السيطرة على القدس في سبيل تحقيق هدف القدس الكبرى . القضية الخطيرة في عملية تنفيذ هذا المشروع الذي يفترض ان يرى النور عام 2008 هو ان من سيقوم بها هما شركتان فرنسيتان تنضويان تحت كونسرتيوم يحمل اسم سيتي باس .

الشركتان هما : التسون وكونّكس وهما مرتبطتان بثلاث شركات اسرائيلية مقابلة، المشروع راى النور عام 2004 تحقيقا لحلم تيودور هرتزل بجعل القدس مدينة حديثة ، كما اعلن في حينه وسيدخل حيز التنفيذ بحيث يكون جاهزا عام 2008 ، ومن ثم ينص العقد على ان تحتفظ احدى الشركتين ( مع شريكتها الاسرائيلية بادارته وتسييره لمدة ثلاثين عاما ) .

من الجانب السباسي يعتبر هذا المشروع بالغ الخطورة خاصة فيما يخص القدس لانه مساهمة رهيبة فيما نسميه ارساء الامر الواقع على الارض الفلسطينية . كما انه من جانب اخر ينشىء تشابكا فعليا في المصالح بين دولة عضو في مجلس الامن واساسية في السياسة الدولية ودولة الاحتلال ،خاصة وانه سيكون متبوعا بمشروع مماثل يشمل كل الارض المحتلة وتبلغ كلفته ما يزيد على المليار دولار، ومن الجانب القانوني لا يمثل هذا القانون خرقا للقوانين والقرارات الدولية من قبل اسرائيل وحدها وانما من قبل الحكومة الفرنسية نفسها ، فقرار مجلس الامن رقم 465 لعام 1980 ينص على انه لا يجوز للدول ان تقدم اية مساعدة يمكن ان تستعمل في تنفيذ سياسة ضم الارض المحتلة ، ومثله قرارات محكمة العدل الدولية .

وبما ان الحكومة الفرنسية تعرف جيدا ذلك فقد ادعت ان لا سلطة لها على القطاع الخاص غير ان الحقيقة ان الدولة تملك 12بالمئة من الشركتين المذكورتين ، وهي بذلك المساهم الاول في رأسمالهما ، اضافة الى ان رئيس الوزراء السابق رافارين قد تباهى في احد خطبه ، خلال زيارته لاسرائيل بهذا المشروع الذي يجسد التعاون بين باريس وتل ابيب ، وان السفير الفرنسي في اسرائيل جيرار ارو قد حضر مراسيم توقيع الاتفاقية في مكتب شارون نفسه في 17 تموز الفائت . خطاب رافارين المذكور يثبت ان فرنسا لم تسكت عن الاتفاقيتين الا وعينها على الاتفاقية الاخرى الكبيرة ، اتفاقية المليار، وعلى مشروع اخر هو مشروع فيوليا في عسقلان المتعلق بتحلية مياه الشرب .

اما ردات الفعل العربية ، فشبه غائبة : محمود عباس اثار الامر مع الرئيس الفرنسي ولكن دون فائدة ، وناصر القدوة عبر عن قلقه !!.. ، وسائر العرب يغطون في نوم عميق لا يعكره القلق ، لانهم لو ارادوا لاستطاعوا مد الجزرة والعصاة الى فرنسا والى اية جهة اخرى تقدم على ما اقدمت عليه . لذلك علق مدير الكونسرتيوم بان الاحتجاجات التي نظمها بعض الاوروبيين ضد المشروع لن تكون اكثر من زوبعة في فنجان ...لا تلبث ان تنسى