نزار صباغ

تنفرد مدينة حماه وتتميز عن غيرها من السورية بأشياء عدة .... نواعيرها ، طراطيرها ، ألبانها وأجبانها ... هكذا وصولاً إلى ساعتها الشهيرة التي تمر في فترات سكون طويلة ثم تعاود التحرك لفترات قليلة ، تطبيقاً واضحاً لقيمة الوقت الذي تُصدر نواعير حماه "عنينها" الشجي الحزين ، تذكيراً للجميع ، عاديين ومسؤولين ، بأهميته ... الضائع سدى .

لن أتكلم عن الزمن وفلسفة الحياة ، أو شجون الحياة اليومية ، أو الروتين والشؤون الإدارية ... أو عن "محاربة الفساد" ، عن الصرف الصحي و"مجرى الزيادة" وتلوث نهر "العاصي" ، عن شجون النقل الداخلي ، وعن "البرناوي" ومؤسسة المياه ... عن وعن وعن .
ولن أتكلم عن "خصوصية حماه" التي يتحفنا بها مسؤولينا ، وعن الحركة المرورية فيها وتنظيمها وتطويرها ، وعن تنظيم أمور الدراجات النارية ، وعن الإزدياد الهائل في أعداد سيارات الخدمة "التاكسي" تطبيقاً لشعار "سيارة لكل مواطن" ... عن الطراطير ومهرجان الربيع وعن وعن وعن ...

سأذكر فقط ما يتعلق بالمعامل والمنشآت الصناعية ومحلجة القطن ومستودعات الحبوب التي تتواجد جميعها ، ضمن حي حديث نسبياً في مدينتنا ، يسمى " حي البعث " .

الوقت يمر ، وحجم الأعباء والمسؤوليات تتكاثر على كواهل المسؤولين مع مروره بالطبع ... قد نعذرهم في ذلك لأن تحقيق مصلحة "المواطن والفلاح والعامل" بسعي دؤوب منذ فترة أكثر من أربعين عاماً ... عبء ثقيل .

تلك المصلحة التي تطلبت في حينه "المواقف الثورية" ، و"إنجاز" قوانين التأميم والإصلاح الزراعي والقضاء على "البورجوازية الطفيلية" و "الرأسمال الامبريالي" و "الإقطاع الاستغلالي" ... تلك المصلحة التي تطلبت رص الصفوف وشد الأحزمة على البطون من أجل الوقوف "سداً منيعاً أمام المؤامرات الامبريالية" الهادفة إلى القضاء على "مصالح الجماهير" ... تلك المصلحة التي لا يزال مسؤولينا يتحفوننا بسعيهم الحثيث الدؤوب إلى تحقيقها والتي لا تزال غايتهم ومناهم ، آملين من الوقت أن يكون لصالحهم ... تلك المصلحة ذاتها ، قد تكون عاملاً قوياً تسبب بخلط الأوراق أمامهم ، وكذلك الأولويات .

فرغم مرور ما يزيد عن الأربعين عاماً من الوقت ، ورغم الشكاوى الكثيرة ، والعرائض العديدة ، والأمراض المزمنة ، والإحاطة كالسوار ، والهدر في المحروقات ، وتكاليف صيانة الطرقات جراء الحمولات الشديدات ، والضجيج القاتل ، والغبار المتصاعد ، والروائح "العطرة" ، والجرابيع القارضة ، ورغم الملوثات البيئية التي تصيب حماه ، ورغم ورغم ورغم ... لا تزال المنشآت المذكورة ثابتة في أماكنها ثبوت الجبال وبإصرار ... تحسد عليه .
وبالواقع ، فإن مسؤولينا لا يزالون يسعون ويعملون للوصول إلى التطابق ما بين المصلحة العامة ، ومصلحة المواطن ..وبكل جدية وثبات وإصرار ... يحسدون عليه .

فمن إشادة أبنية للمكاتب الإدارية الجديدة في بعض المنشآت ، إلى فتح أبواب كبيرة جديدة مطلة على الطرقات ، إلى استقطاب مخزون "المواد الأولية" من باقي المحافظات ، إلى التعاقد وتركيب فلاتر "حديثة" على مداخن بعض المعامل ، وصولاً إلى التغني بالإنجازات المحققة لمصلحة المواطن ، دعماً وسنداً وتطبيقاً لمفهومهم الخاص عن .. اقتصاد السوق الاجتماعي .

وحيث أنها واقع الحال ، وحيث أن نقل تلك المعامل والمحالج والمنشآت يتسبب بحالات كثيرة من الإحراجات ، لأنه وبنقلها إلى مواقع وأراض جديدة قد يدفع المالكين الأساسيين إلى المطالبة باستلامهم أراضيهم ، وإلى المطالبة بفوات المنفعة ، عدا عن أنه قد يشجعهم إلى المطالبة بإعادة ممتلكاتهم المؤممة إليهم بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على التأميم ، وبخاصة أننا الآن قد دخلنا في عصر الانفتاح الاقتصادي ، واستقطاب الاستثمارات ، ودعم ومساندة القطاع الخاص كما يبلغنا مسؤولينا المحليين ويتحفوننا بأنه أيضاً من ...الانجازات .

وحيث أن الموضوع استثماري بحت "ولمصلحة الجميع" ، وأن الحسابات الاقتصادية جراء إعادة إشادة ما يلزم من بناء ، وتوقيف الانتاج ، ونقل المعدات والآلات والتجهيزات ، واستهلاك المحروقات ، ودفع الرواتب دون انتاج ، وإعادة التجهيز بالأثاث والديكورات ، إلى ما هنالك اعتبارات ... إضافة إلى ما تصدره "الجهات الوصائية" من قرارات وتوجيهات وتفسيرات وملحقات ...

وحيث أن تبادل الآراء مطلوب ومرغوب في عصر الانفتاح ، وأن ضغط العمل وكثرة الأعباء تتسبب بخلط الأوراق ... نأمل أن يسعى مسؤولينا المحليين للحصول على موافقة الجهات الوصائية ، لا لأجل النقل الداخلي أو لمعالجة وتنفيذ العقد المرورية أو لغيرها من المشاكل التي تعصى على الحل جراء كثرة أعباء المسؤولية ، بل للعمل على نقل الأحياء السكنية المجاورة لتلك المعامل والمنشآت ، غل ىأماكن جديدة ، وأراض بعيدة ، ذات بيئة نظيفة ، ونقل قاطنيها ومالكيها ومدارسها ونواديها ... إلخ ، إثباتاً منهم للجميع ، أنهم بالمواطن مهتمين ، ولقيمته الحقيقية مدركين ، ولمصلحته عاملين جادين ، وللحفاظ على الإنجازات مقاتلين صلبين ، ولعصر الانفتاح ... مستعدين.

والأهم ، أنهم لقيمة الوقت ... مدركين وعارفين .