في «المنتدى الثقافي» أمس مقارنة خارجة على أصول الأدب المقارن، بين الشاعر محمد الماغوط والروائي الدكتور عبد السلام العجيلي. وقد اعتمدت الزميلة سعاد جروس بعض العناصر الواهية في إنشاء المقارنة بين الرجلين: أنهما توفيا في أسبوع واحد، وعلاقة كل منهما ببلدته، فإذا بنا امام موقفين: واحد كرس نفسه لخدمة بلدته وأهلها، وآخر لم يقم بزيارتها طوال 15 عاما. واحد كثير المطالعة وآخر يرفض القراءة. ولو استطردت لاستطاعت أن تلاحظ أن الأول أسمر البشرة والثاني حنطي.

لقد أخرجت الزميلة جروس محمد الماغوط من سيرته وصورته وقصيدته وأسلوبه وهامة البؤس التي بنى عليها كل شيء، لتضعه على كرسي في عيادة عبد السلام العجيلي. كمثل مقارنة رامبو بأندريه مالرو، لأنهما فرنسيان. أو كمثل مقارنة أمل دنقل وشعره وحزنه بروايات يوسف السباعي، الدكتور هو أيضا. لقد انتقت نقيضين رفضا ـ كما أشارت ـ الالتقاء في الحياة، وقررت أن تضعهما على حلبة مصارعة في الموت. نقيضان لا علاقة لهما بالآخر، لا في الطبع، ولا في الأسلوب، ولا في النوع الأدبي. الأول، عاش وكتب من أجل أن يكون مشرّد زمنه وشارلي شابلن الفقر، والثاني عاش محافظا لا يريد أن يخلع ربطة عنقه.

لم يكن العرض مقارنة أدبية، بل كان مجلساً تأديبياً من النوع الذي تعقده الأحزاب أو الشرطة. فالقواعد والأصول التي اتبعت لإجراء المقارنة، شوهها الاقتضاب والاختصار والنقل المجتزأ، حتى بدت مثل تقرير تقريري صادر عن مخفر المدينة. فقد كان من أجمل وأبدع ما قال الماغوط أنه انضم الى الحزب السوري القومي «لأنه كان فيه مدفأة». ووردت هذه الصورة الشقائية التمردية الشعرية في النص وكأنها مأخوذة من نشرة الطقس والأحوال الجوية. وتحدث النص عن رفض الماغوط الشعري والرمزي لرفض الثقافة الأجنبية، في صيغة تقرير وظائفي يمنع صاحبه من حق الوصول الى مرتبة مدرّس أو مفتش في وزارة المال أو ممرض في وزارة الصحة.

لم تكن هناك ضرورة على الإطلاق للمقارنة بين الماغوط وموقعه في الشعر العربي وفي النفس العربية وبين الدكتور العجيلي. فهي مقارنة لا تجوز حتى لو ان صدفة الموت قربت الزمان بين رجلين لم يجمع شيء بينهما في الحياة.