الاسلاميون الجدد ديمقراطيون، ويؤمنون بتداول السلطة، ويسعون لتحقيق العدالة والحرية في دولة مدنية لا دينية، هذا ليس كلامي، ويبدو أن لا أحد يريد أن يصدق أن الاسلاميين تغيروا فعلا.
الدكتور محمد السيد حبيب- النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين في مصر- قال قبل يومين أن الديمقراطية هي خيارُ الإخوان نحو دولةٍ مدنيةٍ ذات مرجعية إسلامية، وأنهم أعلنوا قبولَهم للديمقراطيةِ وموافقتَهم لهذا والتداولِ السلمي للسلطةِ، واعتبار أن الأمة مصدرُ السلطات، أكثر من ذلك،-والكلام كله لحبيب- يؤمن الاخوان بأن الشعب هو صاحبُ الحق الوحيد في اختيار حاكمه ونوَّابه وممثليه، كما أنه صاحب الحق في محاسبتهم وعزلهم حال تقصيرهم، ولمن لا يعرف أو ينسى أو يتناسى، فحركة حماس هي الفصيل الفلسطيني من الإخوان، وتؤمن بالقواعد والمنطلقات الفكرية التي يؤمن بها الاخوان المسلمون في أصقاع الدنيا كلها، ومع ذلك، تجد حكومتها حصارا غير مسبوق، بحجة عدم اعترافها بإسرائيل، وبالاتفاقات التي وقعتها مع السلطة الفلسطينية إلا ما توافق مع مصلحة الشعب الفلسطيني.

والكلام هنا متشعب وذو شجون، فإسرائيل نفسها لم تعد تعترف بأي التزامات رتبتها اتفاقاتها مع السلطة، وهي تشن حربا مفتوحة على الشعب الفلسطيني، وعلى حركة فتح تحديدا، شريكها التاريخي في التفاوض، وفوق هذا وذاك، لا تعترف لا بفلسطين ولا بالشعب الفلسطيني وحقه في دولة، وتحاربه ليل نهار بلا هوادة، ويد الفلسطينيين والعرب كلهم ممدودة إلى إسرائيل بالتفاوض، بمن في ذلك حركة حماس، التي تنتظر عرضا ما من إسرائيل، قبل الاعتراف وقبل الاعلان عن أي تنازلات مجانية، إذن أين القصة؟ وهل هي فعلا قصة اعتراف حماس باسرائيل وبالاتفاقات التي لم يعد يحترمها أحد، أم أن ثمة شيئا آخر غير كل ما يقال؟
أعتقد ان هناك حرب إرادات، والمقصود بها ليس حركة حماس فقط، بل ربما يكون فوزها ذريعة لا أكثر.

القصة كما أعتقد أن هناك من ’’يوسوس’’ للإدارة الأمريكية ويريد توريطها أكثر فأكثر في حربها العبثية ضد كائن أسطوري يسمى ’’الإرهاب’’، بالضبط كما تم توريطها في حرب ’’تحرير العراق!’’ التي غدت مسخرة المساخر، وجعلت الإدارة الأمريكية تبدو وكانها شلة من المعتوهين.
حماس فصيل سياسي فلسطيني شبه مسلح، لديه ’’شوية’’ بنادق وحفنات من الفشك، وصواريخ بدائية، ولا تشكل أي خطر أمني حقيقي على إسرائيل، اعترفت بها أن لم تعترف، وحتى ولو اعترفت بها فلن تزيدها باعترافها أمنا، ولكن ما تخشاه إسرائيل هو ما لديها من إرادة تريد تغيير عناصر اللعبة، بتفويض كامل من الشعب الذي انتخبها، وهنا يكمن إحساس إسرائيل بالخطر، وينجر وراء هذه المصلحة الاسرائيلية ’’عميان’’ الإدارة الأمريكية، الذين يجازفون برصيدهم الرادع في العالم، عبر تفشيل تجربة الاسلاميين المعتدلين، لإتاحة المجال لإنتاج أجيال من الإسلاميين المتشددين، الذي لا يعترفون لا بديمقراطية ولا بنضال سلمي، وينحون منحى عنيفا في حل مشكلاتهم مع الآخرين، إنها محاولة غبية لتهيئة الفرصة لعرقنة المنطقة، وتهديد مصالح أمريكا، وتآكل صورتها كقوة عظمى.