بغداد، وللعام الثالث على التوالي من أعوام الاحتلال الأميركي للعراق، هي المدينة الأسوأ في العالم، وليضع الأميركان هذا الانجاز الديمقراطي ضمن سجل انجازاتهم هناك وليقولوه علناً بدل أن يهربوا إلى إيران ولبنان وسوريا.

وبدل ان يقر بفشل إدارته للأزمة وللحرب معاً، فإن بوش يمارس الهروب إلى الأمام دائما محملاً العرب جميل صنيعه في العراق، ومطالبا إياهم برد الجميل، وذلك بدعم الديمقراطية هناك.. فعن أي ديمقراطية يتحدث هذا الرجل؟!

بوش يقول إنه يقرأ الصحف ويتابع المقالات باستمرار، لكنه على ما يبدو، يقرأ فقط ما تختار له وزيرة خارجيته ان يقرأه، يقرأ ما يعزز عنده دائما حالة الاقتناع بأنه حشد العالم والدنيا بالكذب والقوة وساقهم للعراق مكرهين ليمنح العراقيين الحرية والديمقراطية.

بينما يتوجب عليه ان يقرأ أيضا الكلام الآخر أو الرأي الآخر الذي يقول إن بوش حشد العالم إلى العراق لا ليمنحه الديمقراطية، ولكن لكي يمنحه العراق فرصته الوحيدة للخروج من نفق الحادي عشر من سبتمبر أمام الأميركيين والعالم.

وليجدد بقاءه في البيت الأبيض، ولكي تسطو أميركا على نفط العراق عن طريق شركاتها الكبرى سراً وعلانية تحت مظلة الفوضى والتدمير، وفي ظل شخصيات موالية وصامتة على سرقة العراق حفاظا على كراسيها ومناصبها!

بغداد، أسوأ مدينة في العالم، هذه واحدة من بركات الأميركان في عاصمة الرشيد، فماذا نقول: هنيئا لبوش إنجازه، أم هنيئاً للعراقيين ديمقراطيتهم؟ العراقيين الذين يذبحون في الشوارع بينما سياسيوهم منشغلون بالبحث عن المراكز وتقاسم مناصب السلطة على أساس طائفي بحت.. وهذه واحدة أخرى!

بغداد، أسوأ مدينة في العالم تحت الاحتلال الأميركي سيئ السمعة، وبوش مع سبق الإصرار والترصد لا يزال ممعنا في تصديق كذبته الكونية الكبرى: كذبة تحرير العراق وإهدائه ورود الديمقراطية الحمراء، فلماذا لا يهدي حماس وردة واحدة على الأقل من هذه الحزمة الديمقراطية الضخمة التي يخبؤها.

ويبشر العالم العربي بها في حله وترحاله، أولم تأتِ حماس للسلطة وفق معيار الديمقراطية الذي يتباهى الغرب وأميركا به، صناديق الاقتراع والانتخابات النزيهة؟ أم انها لا تكون ديمقراطية معفاة من الضرائب ومصدقاً عليها إلا إذا فعلت في واشنطن؟

وسواء شاء بوش أم أبى، فإن الواقع سيبقى هو الواقع الذي لا يمكن لأي ماكينة إعلامية ـ حتى ماكينة الشيطان نفسه ـ ان تجمّله أو تغيره أو تقنع الناس بعكسه.

والواقع هو أن الأميركان عندما جاءوا إلى بغداد في ذلك المساء الأغبر من يوم التاسع من شهر أبريل عام 2003، كانت المدينة فقيرة محاصرة جائعة، محرومة من الدواء، والحرية والأمان، لكنها لم تصبح «المدينة الأسوأ في العالم إلا بعد دخولهم»!