انتهت في ايطاليا مرحلة سيلفيو برلسكوني التي ملأتها صوره وأمواله وصحفه وإشاعات عن علاقات سرية مع المافيا. وفي فرنسا عادت الحكومة عن قانون يهدف إلى تشجيع الشركات الصغيرة، تحت ضغط الشارع. وفي الحالتين لم يكن هناك اثر لشيء يدعى الحزب الشيوعي. كان الحزب الشيوعي الإيطالي هو الأكبر في أوروبا الغربية، يليه الحزب الشيوعي الفرنسي. وكان الحزبان يرعبان الائتلاف أو الحزب الحاكم في البلدين. كما كانت أميركا تخاف أن يحمل الشيوعيون الأسرار إلى العدو السوفياتي.

فجأة ماتت الشيوعية في سريرها وذابت في الذاكرة كأنها لم تكن. التاسع من نوفمبر 1989 سقط جدار برلين، الفاصل بين شرق المدينة وغربها، والفاصل الرمزي بين العالم الشيوعي والعالم الرأسمالي. وفجأة انتهى عالم بأكمله، من سيبيريا إلى أوروبا الوسطى، وتحول الشيوعيون السابقون إلى قوميين عصابيين. من بوريس يلتسن في موسكو إلى سلوبودان ميلوشيفتش في بلغراد.

وارتدى الرفاق السابقون في الجمهوريات الآسيوية ثياب اليخوت في فنادق مونتي كارلو. وبدا بعضهم وكأنه يلعب دورا هزليا في أفلام بيلي وايلدر عن أثرياء فلوريدا. لم تمت حركة آيديولوجية في سريرها كما توفيت الشيوعية. فقد اقتضت حرب عالمية كبرى لزوال النازية والفاشية. وغابت النازية في برلين مع وصول فرق ستالين إلى شرق المدينة. ولوحق الفاشيون في ايطاليا وأعدموا. وفي فرنسا اضطهدوا ونبذوا. وبدت الشيوعية ذات مرحلة وكأنها ستحكم العالم أجمع. وعندما توفي الديكتاتور البرتغالي سالازار منتصف السبعينات كادت البرتغال برمتها تسقط في الشيوعية لو لم تتحرك دول الأطلسي، وخصوصا فرنسا الجيسكاردية. وكانت التظاهرات تخرج في جادات باريس وحدائق لندن بعشرات الآلاف كل أسبوع، منددة بالأميركيين والأطلسي وسلاح الغرب. وبدا لوهلة أن أميركا الجنوبية كلها سوف تتحول إلى الشيوعية ولذلك راحت واشنطن تدعم الأنظمة العسكرية البطّاشة وتغتال زعماء اليسار، من تشي غيفارا الى أليندي.

في كل انتخابات عامة في ايطاليا كان يقال، لقد انتهى الأمر. هذه المرة سوف يصل الشيوعيون. ثم فجأة في 9 نوفمبر 1989 في برلين سقط الجدار ولم تعد هناك شيوعية إلا في كتب التاريخ. توفيت بلا نعي. وبدون أن يدري احد بذلك. وبدون آن يتقبل التعازي بها أحد. نصف قرن ذاب عند منتصف الليل. مثل دعاية حليب «نيدو»: سريع الذوبان.