نزلت برلين كلها إلى الأنفاق والملاجئ والمجارير تعيش فيها. ولم يعد يخرج احد إلى الشمس إلا بالأقنعة أو ملتفا بالأقمشة الرطبة خوفا من التلوث الكثيف. وأصبحت كل دقيقة من الحياة اليومية تحديا صعبا. لكن الصحف ظلت تحمل في طبعاتها الأخيرة أخبار الانتصارات الجديدة. بل كانت تنصح الناس باصطياد الضفادع لأنها مليئة بالبروتين. فقد المقاومون كل شيء. وأصبحوا يخرجون لمقاومة الروس عزلا. وصدرت الأوامر إليهم بأن يأخذوا البنادق ومدافع البازوكا من الجنود الجرحى والموتى في ارض المعركة. وأمر هتلر أولاد الرابعة عشرة بالانضمام إلى القتال. وعندما أيقن النظام انه في الساعة الأخيرة بدأ عملية الانتقام. وكانت السجون مليئة بالسجناء السياسيين، خصوصا بعد المؤامرة الفاشلة على هتلر صيف 1944. وهكذا أمر جنراله، هملر، بألا يبقى احد من هؤلاء على قيد الحياة. وتم نقل سجناء ليتر شتراسي تحت جنح الظلام حيث اعدموا جميعا برصاصة في أسفل الرأس من الخلف.

وانتشرت موجة الانتحار بين العسكريين. وكان بعض القادة يطلبون من ضباطهم أن يطلقوا النار عليهم، ثم ينتحر هؤلاء بدورهم. وحاول النظام أن ينشر إشاعات كاذبة لرفع المعنويات، كمثل أن الأميركيين سوف ينضمون إلى الألمان لمواجهة الجيش الأحمر. غير أن هذه الإشاعات كانت تزيد في خيبة الناس وآلامها.

داخل الخندق الذي بناه هتلر له ولأركانه وعشيقته ايفا براون، كانت الأشياء تنهار أيضا. لم يعد احد يقف عندما يدخل الفوهرر إلى الصالون. ولم يعد المتحادثون يتوقفون عن الكلام عندنا يمرّ هتلر بهم. وبدا هتلر نفسه هادئا وحزينا. وأصبح يتحدث عن الموت وكأنه فرج. ولم ينفجر عندما اخبره معاونه البرت سبير انه لم ينفذ أوامره بتدمير كل شيء، بل راح يبكي. لقد انهار، أخيرا، نظام الخدع الذي أقامه النظام. لم يعد من الممكن تصوير الخسائر على أنها «أفخاخ» من اجل انتصارات مقبلة. وبدأ الرعب يملأ النفوس من وصول «برابرة الشرق» أي الروس القادمين للانتقام من الفظاعات التي ارتكبها الألمان خلال غزوهم. ألم تكن تلك الغلطة القاتلة التي ارتكبها هتلر؟ لقد اعتقد بعد انتصاراته السهلة في بولندا والنروج وفرنسا، أن الاتحاد السوفياتي سيكون لقمة سهلة. لكن مغامرة روسيا كانت نهاية الرايش الثالث، وها هم الروس، مع كبار مارشالاتهم، على أبواب برلين. في خندقه، كان يصغي إلى أنباء الهزائم المتتالية وأصوات القصف الروسي ويشعر بالذل. لكن علاقته بالحقيقة ظلت معطلة. وهكذا خاطب المجموعة المرافقة في الخندق بأنه يعتمد على قيام نزاع بين الحلفاء. وقال: «أنا القائد. أنا الفوهرر. وما دمت قادرا على القيادة فسوف استمر في ذلك».

إلى اللقاء