نجيب نصير

يتكشف اليوم ان الصراع الذي نشأ بين عبد الناصر والأخوان كان صراعا للسيطرة على الدين واستخدامه سياسيا بغض النظر عن وجهة هذا الاستخدام وسبله ونتائجه فاللعبة السياسية منذ يوليه أرست تقاليد النواجذ للتمسك بالسلطة بغض النظر أيضا عن صورية أو حقيقة وجود الدولة ومؤسساتها ومشكلة هذه الطريقة ليس الاستقرار الذي تفرضه في كل النواحي والمناحي وإنما بالصيرورة الهادئة نحو هاوية يدفع ثمنها المجتمع لتظهر الدولة وسلطتها كعملية فهلوة تمتص رصيد المجتمع الاجتماعي والثقافي حتى ليصبح الاقتصادي هامشيا.

ولما جاء السادات هو أيضا اشترى بالدين حياته ومقتله حيث بدت المسألة كإشارة واضحة عن خطورة استخدام الدين سياسيا من قريب أو بعيد، فأرسل المتطوعين إلى أفغانستان آملا (ربما) التخلص منهم ولكن هذه الحسابات ليس بتلك البساطة التي تشبه بيع البطاطا، أو التي تشبه المعادلة التي تقول: ثقل أميركا وتأثيرها على وجوده فوق عرش مصر هو خدمة شخصية له، بالمقابل يرد لها جميلها على حساب المجتمع الذي لن يحس بالثمن قبل مرور عقود. فرفعَ راية الدين (الرئيس المؤمن)، وجحفل الجحافل إلى أفغانستان، ولكن الجحافل لن تتجحفل بلا إقناع أو تنظيم أو تحضير.. لذلك دعم التيارات الدينية كرمى التجحفل الذي طلبه بريجنسكي، موظفا دماء أبناء المجتمع في خدمة العرش. والتجحفل بطبيعته بحاجة إلى عدو وإذا كان العدو السوفيتي الملحد كان حاضرا لتلقي ضربات المجاهدين في خاصرته ( وهي حرب شديدة الثانوية بالقياس إلى الحرب الباردة وربما كانت الشق البدائي منها ) إلا ان التحضير البنيوي لها كان يبشر بعداء لـ"المختلف" بكل ألوانه وأطيافه طالما أصبح الدين حكومة ظل وليس علاقة فردية بالخالق، ليصبح تطبيق الشرع بالصورة التي يرتئيها المنظرون لها كواجب مطلق بغض النظر عن أية إنسانية خلقها الله فينا.. إنها عملية تربوية في المقام الأول وليست مجرد تكتيك سياسي حاول السادات أو غيره الاستفادة منه ببراءة.

واليوم وشوارع الإسكندرية المحتقنة توزع استنفارها على محافظات مصر وربما أوسع من مصر (من يضمن) !! تبدو المسألة كنتائج أولى لاستخدام الدين في السياسة يدفع ثمنها المجتمع من حيث ارتقاؤه الثقافي من جهة ومن حجم الويل الذي سوف يصيبه، مع ان نتائجه واضحة حتى للأهبل؛ فحرب أهلية مهما كانت صغيرة ستنتج خرابا ينتهي "بتبويس" اللحى ويعترف الجميع بالخطاء كي يلتفتوا للتحضير إلى حرب أهلية تالية.

لقد أورث عبد الناصر والسادات المجتمع أزماتهم المؤجلة ليتلقفها الناس كأزمات شخصية يريدون تنفيسها بأي طريقة كانت فكيف بطريقة تفضي إلى الجنة، حيث الوطن مكان مؤقت والحياة شأن عابر. واليوم مع اشتعال شوارع الإسكندرية الناتج عن التحاقد الأهبل يبدو العقلاء الذين تم إبعادهم عن الفعل التربوي الاجتماعي لدهور، يبدون اليوم كتكملة لصورة تشوهت عن العيش البشري الذي يشرفه الدين وليس العكس بكل تأكيد، فالعكس ثمنه من الدماء ومن الحضور الإنساني باهظ وكبير وليهنأ كل من عبث بهذا الشأن بدماء من أأتمن على مستقبلهم.