دوائر وردية.. مربعات اكثر وردية ونجوم بيضاء وزرقاء، ترصع الخريطة الاوروبية التي وزعتها منظمة العفو الدولية، ونشرتها الصحافة الاوروبية والعالمية. غير انه لا علاقة ابدا للالوان المذكورة بدلالاتها في علم الالوان فيما يعرف بالايزوتريك، أي العلم الدي يحدد تاأثير الالوان على سيكولوجية البشر. فالوردي والازرق يتركان، بحسب هذا العلم، تأثيرا رومانسيا جميلا: الوردي يجعل الانسان يحلم، والازرق يجعل اعصابه اكثر هدوءا، والابيض ينشر في روحه احساسا بالحيادية المريحة والانفتاح الرحب. اما على خريطة ’’امنستي’’، فالدوائر الوردية تشير الى الدول التي عبرتها الرحلات السرية للسي اي ايه، ناقلة معتقلين ومخطوفين من مختلف انحاء العالم الى سجون سرية في اماكن مختلفة من اوروبا. الدوائر هذه تلف المانيا، الدانمرك، اسبانيا، البرتغال، التشيك، بريطانيا، والسويد. اما المربعات التي تؤشر الى تلك السجون السرية فتؤطر كلا من: بولونيا، كوسوفو، التشيك، ورومانيا.

ثمانمئة رحلة تقول منظمة العفو الدولية، والدولة التي سلمت من كونها مركزا ومنطلقا لم تسلم من عملية توقف (اسكال) حيث تثار الان في فرنسا نفسها فضيحة توقف اثنتين من هذه الرحلات في مطار لو بورجيه . كل دلك باسم مكافحة الارهاب. ولا احد يعرف من هم الارهابيون الذين حملتهم هذه الطائرات، ومن اين اعتقلتهم السي اي ايه، او اختطفتهم وكيف عوملوا وما هو مصيرهم. غير ان ما بات معروفا بفعل هذا الكشف ان اوروبا ليست اقل تورطا في ظلم الناس وانتهاك حرياتهم، وفي التواطؤ المخابراتي من الولايات المتحدة الاميركية. مع فارق ان اجهزتها السرية تعمل كاذرع مساعدة للسي اي ايه، ودولها تقدم نفسها كساحات لتنفيد الاعمال القذرة التي تقوم بها هذه الاجهزة، وقوانينها كغطاء لما لا تسمح به القوانين الاميركية.

فاي خطاب حقير هذا الدي يقرقع به هذا الغرب آذاننا عن حقوق الانسان؟ اية حقوق واي انسان؟ اية اكذوبة فاضحة هو هتاف الديمقراطية والحرية ودولة القانون، ذاك الذي يغطون به اقذر اعمال الاعتداءات على كل هذه القيم؟ اللهم الا اذا فهمنا من كل هذه الشعارات ما كانت الامبراطورية الرومانية تقيمه مبدأ لتعريفها لكل القيم الانسانية، وهو مبدأ ان ما ينطبق على مواطني الامبراطورية لا ينطبق على البرابرة. يوم كان مارك اوريليوس رمز العدالة لروما يأمر بصب الرصاص في حلوق الاسرى من البرابرة حتى الموت، لسبب وحيد وهو انهم تمردوا على روما.

هكذا يتعامل الغرب معنا نحن البرابرة الجدد، وليست اهمية الفضائح المتكررة كل يوم، من ابوغريب الى سجون السي اي ايه، في انها تفضح الغرب نفسه، بل في انها تفضحنا نحن، اذ تعلمنا ان بحثنا عن توفير القيم المذكورة لانساننا، وتوفرها في اطار الكرامة الوطنية والانسانية لا يمكن ان يتأمن الا بنضالنا الداخلي البحت، وان أية استعانة بالغرب لتفعيله لن يكون من شأنها الا قلبه ضدنا. الولايات المتحدة ردت على الفضيحة باقالة عميلة السي اي ايه التي اتهمتها بتسريب المعلومات.. فقط!!