سؤال تاريخي تطرحه تطورات الازمة المتعلقة بالمشروع النووي الايراني: هل كان العراق انتصارا حقيقيا للولايات المتحدة ؟ ام انه اخر وهم انتصار للامبراطورية؟ اذ لا شك في ان الحرب العسكرية النظامية انتهت بانتصار قوات جورج بوش واحتلال بلاد ما بين النهرين، ولكن اعلان الرئيس السعيد بانتصاره عن انتهاء العمليات العسكرية بعد شهرين لم يتكشف الا عن كذبة كبرى اكبر من كذبة اسلحة الدمار الشامل. وها هي العمليات العسكرية تكاد تستنفد مصطلحات المعجم الاميركي، لتصوغ سلسلة لا نهاية لها من التسميات اين منها افلام هوليوود التي ينتهي فعلها بانتهاء العرض.
غير ان علامات فشل المحافظين الجدد امام تنامي المقاومة العراقية، وتراجع شعبية الرئيس المنتصر الى حد ادنى لم تعرفه شعبية أي رئيس مهزوم، لا تشكلان وحدهما مظاهر تراجع الامبراطورية الاحادية على الساحة الدولية. ذاك ان الاختبار الاصعب الان هو الملف النووي الايراني وفشل واشنطن في تحصيل موافقة صينية روسية على استصدار قرار اممي يجيز عملا عسكريا ضد ايران. فاين الحال اليوم منه في التسعين او الالفين وثلاث. ففي الاولى استطاعت الولايات المتحدة ان تحشد وراءها معظم دول العالم ضد العراق بحجة تحرير الكويت. وفي المرة الثانية استطاعت ان تتجاهل معارضة معظم دول العالم، بل وقرارات الامم المتحدة وتقوم وحدها ووراءها بريطانيا بعدوان عسكري يؤدي الى احتلال كامل.

اما اليوم فانها ترفع الصوت مهددة بالسلاح النووي ولكن دون ان تبدو قادرة على فعل حقيقي. والسبب يعود الى عوامل كثيرة، قد يكون من اهمها ان استهداف الصين وروسيا قد اضحى اكثر وضوحا هذه المرة، رغم انه لم يكن خافيا منذ انهيار جدار برلين واستفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم. ففي العام 1991 كتب كولن باول، رئيس الاركان يومها، يبرر معارضته للحل العسكري بشأن العراق يقول: لا شك اننا نحتاج الى السيطرة على منطقة الشرق الاوسط والخليج العربي في مواجهتنا الاستراتيجية المقبلة مع الصين واوروبا، وخاصة الصين، لكنه من الافضل ان يتم ذلك بالطرق السياسية، لان الحلول العسكرية ستؤدي الى تنامي الكراهية لاميركا والى نمو التيارات الاصولية الاسلامية في منطقة ما يزال يحكم فيه ايات الله. لكن باول عاد فقال بعد ذلك: لقد علق الرئيس هدفه على راداره، ولم يعد عليّ كعسكري الا ان امتثل. وهكذا امتثل العسكري مرتين.. مرة لبوش الاب ومرة لبوش الابن، فالى اين انتهى الامر الان، مع العراق، مع الصين، ومع ايات الله؟

لم يكن الاصرار على احتلال افغانستان الا اصرارا على استباق الامور بالنزول على حدود القوة الصفراء القادمة. وفرصة للنزول ايضا في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة. غير ان المتابعين لم يغفلوا عن مسارعة الصين الى تشكيل ما سمي بمجموعة تشنغهاي التي ضمت كلا من الصين وروسيا وعددا من هذه الجمهوريات. ولعل اكثر اجتماعات المجموعة اهمية هو الذي عقد هذه السنة، حيث انتهى الى بيان ختامي طالب بخروج القوات الاميركية من اسيا، وتزامن القرار مع زيارة كونداليزا رايس لبكين. هذا من جهة، ومن جهة اخرى تميز بخطوة بالغة الاهمية وهي دعوة ايران الى الحضور بصفة مراقب. فيما يعبر عن توازنات جيوبوليتيكية ناشئة، ليس كون ايران اخر خط دفاع صيني في وجه الوجود العسكري الاميركي في اسيا، الا عنصرا اساسيا في تشكلها.. عنصر يلتقي مع مصلحة روسيا التي نزلت القواعد الاميركية على كتف جمهورياتها السابقة. لكن ذلك كله لم يكن كافيا لغل اليد الاميركية الطويلة لولا الغرق المتنامي في الرمال العراقية المتحركة.