ماهر العلمي

الشمس مكسوفة.. تكاد تذوب خجلا.. فوباء التمسحة العربية ينتشر هذا الزمان.. ولا امر يهم اولي الامر.. ولا هم يشغل البال.. فأيامهم لا مبالاة وتجاهل تام لما ينتظرهم من اهوال.. واجواؤهم لهو ولعب وطرب وطبل ومزمار.. ولا يقلقهم خطر ولا يخشون ان يطاح بهم بزلزال. ويكابرون، ويتعامون عن واقع الحال.. ويدفنون رؤوسهم في الرمال كالنعام..!

الشمس مكسوفة.. فقد اجتمعوا بعد جهد في السودان.. وفشلوا في تبييض وجوههم امام الرأي العام عبر وسائل الاعلام.. فقمتهم لا لون ولا رائحة لها، فكأنها سراب تحسبه ماء وهو يزيد ظمأ العطشان.

لقد التقوا وانفضوا.. واثبتوا مجددا واقع اتفاق العرب على ان لا يتفقوا مهما تعاظمت التحديات والاخطار.. وبرهنوا طاعة عمياء للعم سام، وابدوا له كل ولاء، ونالوا منه جائزة العقلانية والاعتدال..!

اجتمعوا في خرطوم اللاءات الثلاث.. وليتهم ما اجتمعوا فقد ازدادوا تفرقا مبرهنين على عدم صلاحيتهم للملاكمة في الحلبة الدولية الا في وزن البعوضة او ريشة النعام.. كان اللقاء روتينيا فلا افادوا شعوبهم ولا بلوروا موقفا ولا حلوا اي اشكال.. ولا ابدوا حزما واصرارا وحرصا وفشلوا في تحقيق اي توافق او تنسيق او انسجام.. غادروا جميعا السودان قبل جلسة الختام.. وختامها مسك الانقسام.. وبقي وحيدا في الميدان اميل لحود رئيس جمهورية لبنان.. واثبتوا انهم لا يهشون و»لا ينشون« في اي نزاع كان.. فالطوشة اللبنانية بين لحود والسنيورة رئيس وزراء لبنان.. لم يتدخلوا فيها، فهم لا تأثير لهم ولا »يمونون« ولا ينفعون، ولا يضرون ولم يلتقوا الا لرفع اللوم والعتاب وما نجحوا الا في الابقاء على مؤسسة قمم آذار.. انتهجوا البروتوكول.. صورتهم وسائل الاعلام.. جلسوا.. استعرضوا حرس الشرف.. تبادلوا العناق.. تناولوا وجبات الافطار والغداء والعشاء.. غاب عن قمة السودان 12 من الزعماء لا يحبذون الاغتراب والابتعاد عن العيال.

الشمس مكسوفة.. تكاد تذوب من الاستحياء.. اذ لم يحرك احد من العرب ساكنا وراقبوا عبر التلفاز اقتحام اسرائيل سجن اريحا واختطاف سعدات ومعه الرفاق.. وتدمير المقاطعة بالجرافات والنار وعملية الاذلال والتعري (الستريب) والاذلال امام وسائل الاعلام..!

الشمس مكسوفة يا اخوان فلا يزال 9500 اسير وراء القضبان وتواصل قوات العسكر نقلهم بالقوة من سجان الى سجان.. بينما يتابع العرب برامج »روتانا« وكل قناة تعرض اخر ما توصل اليه عالم الانحلال والازياء واخر صرخات المكياج.

الشمس مكسوفة.. فعربدة اسرائيل متواصلة عبر الاجتياح والاغتيال.. بينما العرب يطلبون من الخانق والمخنوق ابداء ضبط النفس وعدم الاستعجال..!

الشمس مكسوفة.. فلا قرارات حاسمة.. ولا استراتيجية واضحة ولا اجراءات جريئة.. ولا خطوات لانقاذ ما يمكن انقاذه من براثن الاحتلال.. لا تحذيرات شفوية من الاخطار التي تحاصر فلسطينيي هذه الديار.. لا خطوات رادعة توقف الاطماع في »الاقصى« ثالث مسجد تشد اليه الرحال.

لا مساعدات سخية.. لا مشاريع للاسكان للمقدسيين اهل الرباط والثبات الصامدين امام الاعصار!!يتباخلون رغم اضافة عشرات مليارات الدولارات الى خزائنهم جراء رفع اسعار البنزين والسولار..!

الشمس مكسوفة، فالغرب واسرائيل يهددون بتحويل الفلسطينيين الى شعب جياع يحاصرهم الحرمان.. وهم في الخرطوم ا قروا فقط في الشهر 55 مليون دولار لا تغطي فاتورة الموظفين وعناصر الامن الذي يخشى عليه من الانهيار..!

الكرم الحاتمي يتجلى عندما تتدفق الملايين تبرعات على البلديات والجامعات الغربية في كل مكان.

الكرم الحاتمي تشهده عندما تشفط موائد الروليت الخضراء ثروات اثرياء الامة وهم يضحكون وحولهم الحسان وسط دخان السيجار..!

الشمس مكسوفة.. فالصامدون في هذه الديار يحتاجون على الاقل في الشهر الواحد 170 مليون دولار.. وماذا يفعل مبلغ 55 مليون دولار؟ اهو لرواتب الموظفين المدنيين والعسكريين ومخصصات الاسرى وراء القضبان واهالي الشهداء ام لتلبية حاجة المحتاجين والمستورين والمتعطلين عن الاعمال؟ وكيف ستستطيع الحكومة الانفاق في كل مجال والعجز في الموازنة يتراكم شهريا 130 مليون دولار.. كيف ستقوم الحكومة بهذه المهمة المستحيلة، والعرب يدفعون »بالقطارة« الاموال؟!

كيف سيستمر تنفيذ مشاريع الاعمار وكيف تجرى اعمال البلديات ومن اين تدفع اثمان الكهرباء والمال والفقر يطرق الابواب؟

لماذا يبخلون علينا بما وهبهم الله من مال، الا يخرجون زكاة اموالهم حسب شريعة الاسلام، - اللهم لا حسد - على ما يجنون من اموال من نفط وهبه الرزاق الرحمن، ولكن 2،5% للفلسطينيين تعني مبالغ هائلة تغنيهم عن السؤال! وتبعدهم عن ابواب الغرب الذين بدأوا يكشرون عن الانياب.. ويبدو انهم يتلذذون بكل سادية بآلام الحرمان!

اين النخوة؟ اين نجدة الملهوف الحيران؟ اين الاحساس؟ هل ننعيها بعد هذا الانهيار؟هل تعجزون عن دفع شهريا 170 مليون دولار.. الا تخسرون اكثر من هذا الرقم على اللهو والترف والمهرجانات ومسابقات ملكات الجمال؟

الا ترغبون ان تسجل في موازينكم حسناتكم التي ستصبح 1700 مليون من الحسنات؟

مبلغ 170 مليون دولار ليس ضخما فلو تم تقسيمه على 22 من الاقطار يصيب القطر منه حوالي 7 ملايين دولار.

المنبطحون غاية في الكرم والسخاء في اسواق اوروبا واميركا وفي كازينوهات مونت كارلو ولاس فيغاس وفي المزادات العلنية التي يقيمها البريطانيون والاميركان!

انهم يتابعون نهج التعقل والموضوعية والاعتدال، ويدفعون بالامة الى حالة الاحتضار يحرصون على الطاعة العمياء وكامل الولاء لولي نعمتهم العم سام..

لا حلول عربية لهموم الوطن العربي الكبير المحمل بالهموم والاعباء.. هم تركوا العراق لقمة سائغة فتحول الى ارض العراق.. الكل يقتل الكل والمحتل يراقب بشغف ويزيد من اشتعال النار!

نفضوا ايديهم من قضية فلسطين ولا مصالحات بين سوريا ولبنان ولا نجدة، ولا دعم لكل قطر يتعرض لخطر التقسيم والتقطيع بالمنشار! لا تصورات او مخططات لمستقبل ولا اقتراح للتوحد سياسيا واقتصاديا وعسكريا.. لا وحدة ولا اتحاد.. بل انقسام يتبعه انقسام.. وتصدير اجود الانقسامات وامتن الاختلافات ها هم يراقبون الة التقطيع في الجسد العربي ولا تهزهم ما ينزفه من دماء ها هم يقطعون الجسد النازف عضوا عضوا ويقطعون العضو العراقي الى اجزاء مبعثرة كل جزء ينزف دماء.. وها هي اسرائيل بنصل الجدار والاستيطان، تواصل تقطيع الجسد الفلسطيني وتكاد تصل العملية الي فرم يتقنه الجزار..

ها هو الجسد الفلسطيني يتحول الى عشرات الكانتونات المعزولة بالحواجز والاسوار..!

الشمس مكسوفة.. فقد تجردوا من الحياء.. وارتضوا الهوان.. واصبحت التمسحة هي الشعار!!