ما الذي تستطيع منظمة "أوبك" فعله إن هي أرادت الإبقاء على إدمان أميركا للنفط؟ ما أسهل الإجابة. ففي وسع منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط, الاختيار بين أحد أمرين: إما حث الكونجرس على التصدي لمشكلة الارتفاع الحالي لأسعار الجازولين, وذلك بتبني المقترح "الجمهوري" القائل بصرف مبلغ 100 دولار لكل واحد من السائقين, كي يتمكنوا من مواصلة قيادتهم للسيارات ذات الاستهلاك العالي للوقود وشراء الجازولين بسعر 3.50 دولار للجالون الواحد, أو بتبني المقترح "الديمقراطي" الداعي إلى رفع الضريبة الفيدرالية المفروضة على الجازولين لمدة 60 يوماً, البالغ قدرها 18.8 سنت عن الجالون الواحد. وأياً كان المقترح الذي سيعمل به الكونجرس, فإنه سيكون ملائماً وساراً لمنظمة "أوبك". وخلاصة الأمر أن الكونجرس يقترح تماماً ما يصبو إلى تحقيقه ألد أعدائنا على الإطلاق, أي أن ندعم إدماننا للوقود وأن نقتطع من لقمة ومصروف أطفالنا, حتى يسهل علينا سداد فواتير الوقود والأسعار التي يفرضها علينا دعاة النفط. والهدف النهائي هو أن نظل نحن على إدماننا للنفط, في حين تنهمر عليهم الدولارات من سمائنا. ومع وجود كونجرس كهذا, فمن يحتاج إلى تنظيم "القاعدة" أساساً؟

إنني لا أسخر ولا أتهكم, إنما أشير إلى وجود مشكلة حقيقية ومزعجة, تتمثل في هذا التراخي المخزي من قبل "الجمهوريين", متبوعاً بتهافت "الديمقراطيين" على الكسب السياسي. والغريب أن هذه الخيبة الثنائية تبدو كما لو كانت أسلوباً من أساليب الحكم والقيادة, في مواجهة أزمة الطاقة الحالية التي نمر بها! ويعد "الجمهوريون" الأكثر سوءاً لأن بيدهم كل أدوات السلطة الرافعة, وفي وسعهم توجيه البلاد وجهة مغايرة, فيما لو عزموا على تبني سياسات جادة في مجال الطاقة. ولكن أنّى لهم العزم والفعل؟! وكما جاء على لسان "ديفيد روثكوبف" مؤلف كتاب "إدارة العالم: تاريخ السياسة الخارجية الأميركية": "فقد اعتدنا على القول دائماً إن النظام معطوب, لكونه لا يستجيب إلا عند نشوء أزمة ما. ولكن المشكلة أن هذا النظام أصبح معطوباً بالفعل, وذلك لعجزه عن الاستجابة حتى للأزمة نفسها". فما العمل إذن؟ عن نفسي, فإنني أعلق آمالاً على حزب ثالث, أرى أن الظروف باتت مواتية لبروزه الآن. وفي تقديري أن الولايات المتحدة أضحت في مواجهة تحدٍّ لا يقل خطورة عن الحرب الباردة بأي حال. ويتلخص هذا التحدي في كيفية سد حاجتنا من الطاقة بتكلفة معقولة, في ذات الوقت الذي نقلل فيه اعتمادنا على النفط والأنظمة السيئة التي تصدره لنا. وبما أنه ليس في وسع أي من الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي" تقديم حل لهذه المعضلة, فيبقى الأمل في قيام حزب ثالث, يستطيع التضحية اليوم من أجل تحقيق مكاسب الغد.

وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية, فما عليك إلا أن تدمج بين هذه الفجوة القيادية الواسعة في مسألة كبيرة ومهمة, وشبكة الإنترنت التي أثبتت كفاءتها في توفير منبر قادر على تنظيم وتمويل ودفع حملة سياسية خارج مؤسسة ودوائر واشنطن. عندها ستكون قد وفرت كافة العناصر المطلوبة لظهور حزب ثالث يتمتع بالمصداقية المنشودة. ولن أسمي هذا الحزب بـ"الحزب الأخضر" لأن هناك من اختاره سلفاً, إلى جانب أنه اسم يعبر عن أجندة جد ضيقة وليبرالية. وعلى أي حزب ثالث اليوم أن يكون حزباً كبيراً واسعاً, فضلاً عن استراتيجيته ووسطيته وتطلعه إلى الأمام. وربما كانت التسمية الأقرب لهذا الحزب هي "الحزب الأميركي المتجدد", أي أن تكون هموم الطاقة وشؤونها في قلب نشاطه الهادف إلى استعادة عافية أميركا ومنعتها وثروتها, وليس مجرد "المحافظة" على ما هو قائم فيها فحسب.

وللحقيقة فقد أصبحت الطاقة مفتاحاً رئيسياً لتجديد خلايا أميركا كلها: من تحفيز المزيد من الطلاب الشباب على دارسة الرياضيات والعلوم, إلى خفض عجز ميزاننا التجاري عن طريق خفض نسبة اعتمادنا على الواردات النفطية, متبوعاً بخفض عجزنا المالي بزيادتنا للضريبة المفروضة على الجازولين, وصولاً إلى رفع قدرتنا التنافسية التجارية, وذلك بجعل المنتجين الأميركيين قادة في مجال التكنولوجيا النظيفة, ثم استعادة الاحترام الدولي الذي كانت تحظى به أميركا من قبل, عبر قيادتنا لمعركة مكافحة الغازات المسببة للتغير المناخي, بلوغاً إلى هدف نشر الديمقراطية وتعزيزها عن طريق إيجاد مصادر بديلة لطاقة النفط. وبذلك نكون قد أضعفنا بعضاً من أسوأ الأنظمة الشمولية التي عرفها العالم, من شاكلة تلك التي تستخدم نفطها أداة كابحة لنشر الديمقراطية وتقدمها.

وفي اعتقاد "ميكا سيفري" –مؤلفة كتاب "التدافع من أجل القتال: سياسات الحزب الثالث في أميركا", أن هناك فرصة الآن لمن يريد أن يغتنمها من الساسة الأميركيين. وتتمثل هذه الفرصة في كارثة البيئة والطاقة التي لم يتصدَّ لها أحد, فظلت عالقة في انتظار الجيل المقبل. ولا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا بالاستثمار بعيد المدى في مصادر الطاقة المتجددة البديلة. فذاك هو الطريق الوحيد للكف عن إدماننا للنفط وخفضنا لأسعار الطاقة. وعلى الرغم من أن نظامنا السياسي, قد جبل على الثنائية وكيّف على عرقلة ظهور الحزب الثالث, إلا أنه سيأتي اليوم الذي يرفع فيه بعض ساستنا لافتة تعلن عن حزب قادر على الجهر بالحقيقة, حتى وإن كان ذلك لمجرد التجديد والتغيير. وربما كان الحظ في انتظار المرشح الصحيح, الذي يحمل الرسالة الصحيحة في مجال الطاقة, في انتخابات ثلاثية لا نستبعد حدوثها.