درجت بريطانيا على القول إن رئيس وزرائها يجب أن يكون جزاراً، باعتبار أنّ عليه (أو عليها) أن يكون (أو تكون) حاسماً في صرف الوزراء الذين يفشلون في مهمتهم والذين يقتصر دورهم على المشاهدة والمشاركة السلبية من دون المساهمة الفعلية في عمل الحكومة. يجب ألا يغيب عن بال رؤساء الوزراء أن الأشخاص الأكفياء موجودون ويتحينون الفرصة في الظل كي يتحولوا إلى نجوم المستقبل.

ولا شك لدي بأن القاعدة هذه تسري كذلك على رؤساء الولايات المتحدة. يسود بريطانيا وأوروبا الغربية برمتها، أيضاً على حد ظني، ذهول تام لفشل الرئيس الأميركي جورج بوش في إدراك أن صديقه المقرب ووزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد قد تجاوز تاريخ انتهاء صلاحيته وعليه بالتالي أن يتنحى عن منصبه.

وفيما علينا أن نقدر الاختلاف في المناخات السياسية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، والتميز الأميركي في حكم ذاك البلد الشاسع والقوي بشكل مذهل، لا يسعني إلا أن أرى دونالد رامسفيلد بصورة الرجل المتعجرف الذي يفتقر الى الحكم السياسي السليم والعبء الذي يثقل كاهل إدارة بوش بسبب الفشل الذريع. كما لا يسعني سوى أن أتساءل إن كان السبب وراء رفض الرئيس إقصاءه وبذله الجهود الحثيثة لدعمه علناً، هو شعوره بأن على أحدهما التمسك بالآخر مهما كلّف الأمر لأنهما يتشاطران مسؤولية الأخطاء المعيبة التي ارتكباها في العراق.

ما من شك بأن لدى دونالد رامسفيلد سجل خدمة طويلاً ومتميزاً في أعلى المستويات إنما لا يعني ذلك أنه الشخص المناسب لمنصب وزير الدفاع في 2006. ولد رامسفيلد العام 1932 في شيكاغو وارتاد جامعة برينستون ثم أصبح عضواً في مجلس النواب بين سنتي 1962 و1969 وسفيراً إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العام 1973-1974 قبل أن يصبح رئيس الأركان في البيت الأبيض. وشغل رامسفيلد قبل ذلك منصب وزير الدفاع بين العامين 1975 و1977.

ويذكر السير كريستوفر ميير، السفير البريطاني إلى واشنطن إبان الهجمات على نيويورك وحرب العراق، في كتابه المثير للجدل الذي صدر مؤخراً «دي سي كونفيدانشال» (أسرار العاصمة) أن دونالد رامسفيلد فكر في ما مضى في تقديم ترشيحه للرئاسة الأولى، كما قال أنه «يتميز بكونه أصغر وأكبر وزير دفاع في تاريخ الولايات المتحدة». وقال السفير البريطاني إن رامسفيلد يمكن أن يكون « شخصاً ذا رهبة. فهو مصارع سابق وقبطان في البحرية. وهو رشيق، مفتول الساعدين ولاعب سكواش منتظم يبدو أصغر بكثير من اعوامه السبعين ونيّف، كما أنه وقح وصريح». لا يشك أحد في قدرة دونالد رامسفيلد الصارمة على خوض حروب السلطة في واشنطن، ولا سيما مع كولن باول الخاسر الأبدي أمامه.

ويقدم مقال صدر في 22 نيسان (أبريل) في مجلة «ذي إيكونومسيت» خير تلخيص عن قيادة العراق المليئة بالعيوب:

«لعل أفدح أخطائه هي محاولة خوض حرب العراق بعدد قليل جدا من القوات. أما ثاني أفدح خطأ ارتكبه فكان عدم الترتيب لإمدادات كافية كفيلة بإعادة النظام بعد التدخل العسكري. وقد أساء السيد رامسفيلد قراءة المعطيات الإستخباراتية في الفترة السابقة للحرب والتي كان معظمها خاطئاً في أي حال. وقد فشل في التخطيط للاحتلال وتجاهل التمرد المتنامي ثم قام بحلّ الجيش العراقي، ناشراً 300.000 مسلح عاطل عن العمل بين السكان».

عند تسلمه منصب وزير الدفاع، كانت إحدى أفكاره النيّرة إصلاح الجيش الأميركي الذي عانى من البطء في التكيف مع المتغيرات بعد نهاية الحرب الباردة. وكانت فكرته جيدة، إذ من ناحيته عانى الجيش البريطاني أيضا من صعوبات في التأقلم مع الوضع بسرعة. ثم قدّر أن مزيج الإستخبارات الجيدة مع قدرة الضربات الجوية الأميركية المتطورة تقنيا سيصبح أضخم وأكثر فعالية.

ولسوء حظه ضمت الخطط التي وضعها الجيش الأميركي بعناية تمهيداً لاجتياح العراق بإشراف الجنرال القدير أنطوني زيني وهو عضو في المارينز توصية بإرسال قوات يصل عديدها إلى 380.000. إنما لتفضيله قوات أصغر حجماًً وأكثر مرونة، لم يوافق دونالد رامسفيلد على اقتراحات الجنرال زيني. واعتقد عضو المحافظين الجدد أن القوات الأميركية ستلقى ترحيبا وحفاوة إثر سقوط صدام حسين ورفض أن يتقبل النصيحة العسكرية التي مفادها أنه يتوجب استقدام مئات الآلاف من القوات لضبط الأوضاع في العراق بعد سقوط بغداد.

على إثر ذلك اتهم الجنرال زيني دونالد رامسفيلد بالـ «تقصير في أداء الواجب» لأنه فشل في التحضير للحرب بشكل مناسب. وعلى امتداد الأسابيع القليلة الماضية حذا حذوه أربعة من كبار الجنرالات الذين أحيلوا مؤخراً على التقاعد، فهاجموا إدارة وزير الدفاع للحرب بشراسة، وقد تناقلت وسائل الإعلام انتقاداتهم.

بعد ظهور أنباء سجن أبي غريب المرعبة وانتشارها عالميا قدم دونالد رامسفيلد الاقتراح المنطقي بالاستقالة. عندئذ ارتكب الرئيس خطأ فادحا إضافيا برفض هذه الاستقالة. في الوقت الحالي، يشهد وضع إدارة بوش تدهوراً ملحوظاً بحسب ما عكسته نتائج الاستطلاعات وعلى مستوى احترام الرأي العام. وسبب عدم احترام الناس الأساسي لها يكمن في حرب العراق، لذا يجب أن يخلي دونالد رامسفيلد الساحة في أسرع مهلة لكي تصفى الأجواء وتهدأ النفوس.