وسط فواجع القتل اليومي، والفساد، والخراب الشامل في العراق، فأن الحياة السياسية لاتخلو من ظواهر لافتة أفرزتها احداث ما بعد سقوط نظام صدام ستنعكس إيجابياً على مستقبل العراقي فقد بدأت تتبلور ملامح متغيرات اجتماعية ، و ثقافية، سياسية تطال وعي الجماهير ونظرتها لتيار الاسلام الاسياسي .

والتيار الاسلامي السياسي المقصود هو التيار الشيعي، فالسنة ليس لديهم تيار اسلامي سياسي يمثلهم، وانما لديهم مجاميع من البعثيين والعاطلين عن العمل وحدهم هدف واحد هو العودة للسلطة كغاية والتمتع بمكاسبها مما دفعهم الى ارتكاب ابشع الجرائم الارهابية بحق الشعب العراقي.

مرت عدة تحولات نظرية وعملية على التيار الاسلام السياسي الشيعي جديرة بالملاحظة والتنويه شملت ثلاث مراحل :

مرحلة الاوهام في تأسيس دولة اسلامية.

مرحلة السعي لأسلمة المجتمع والتخلي عن مشروع الدولة الاسلامية.

مرحلة الاحتراق بنار التجربة والتعري أمام الجماهير.

بالنسبة للمرحلة الاولى.. كانت أوهام اقامة دولة اسلامية في العراق حلم يهيمن على تفكير الاسلاميين حتى قبل ظهور بدعة ولاية الفقيه، وقد ذهب آلاف الضحايا من الذين تم التغرير بهم وتوريطهم في تنظيمات هذا التيار وتعريضهم للاعتقال والاعدام للأسف الشديد من اجل هذه الاوهام.

ثم جاءت المرحلة الثانية بعد إسقاط نظام صدام من قبل جيش التحرير الامريكي، ودخول عناصر التيار الاسلامي مطأطأة الرأس خجلا وشعوراً بالضعف لكونهم لم يساهموا في عملية إسقاط صدام وعدم إمتلاكهم قاعدة جماهيرية واتباع مؤيدين لهم داخل العراق، ماعدا عصابات مقتدى الصدر من الهمج الرعاع، وكذلك في ظل وجود الولايات المتحدة الامريكية التي تعارض اقامة دولة اسلامية ، كل هذه العوامل دفعت التيار الاسلامي الى التراجع عن أوهام مشروع اقامة دولة اسلامية وسعى الى حل بديل وهو أسلمة المجتمع كمحاولة التفافية على الموانع التي تقف بوجه اعلان الدولة الاسلامية.

وتسارعت الاحداث والتحولات وجاءت المرحلة الثالثة، وهنا لابد ان نشير ان التاريخ سوف يسجل للولايات المتحدة الامريكية عبقريتها في التعامل التيار الاسلامي وإستعمال استراتيجية الاحراق بنار التجربة وكشف عجزه وسرقاته وتكالبه على السلطة وعمالته لإيران، وتتجلى العبقرية الامريكية في ان مجتمعا كالمجتمع العراقي تنعدم فيه مؤسسات المجمتع المدني، ويفتقر للنخب الفكرية التنويرية المؤثرة، ويغيب عنه الحوار الديمقراطي... فلم يكن أمام أمريكا اي حل لمعالجة خطر الاسلاميين سوى إفساح المجال لهم لإستلام السلطة لفترة محددة ووضعهم تحت انظار ابناء الشعب وإحراقهم.

لقد اصبحت صورة الاسلاميين في منتهى البشاعة ورمزاً للتخلف والسرقة واللهاث خلف المناصب والفشل الذريع في توفير الامن والخدمات للشعب، وصار أغلب الناس يشعرون بالاشمئزاز منهم ولايثقون بهم وحتما ستشهد الايام القادمة المزيد من العزلة والنبذ لهم.