يقول افراييم هالفي في «رجل في الظلال»، انه عندما انهار الاتحاد السوفياتي العام 1989، شعرت إسرائيل بفرح شديد. لقد سقطت القوة التي تدعم سورية والعراق والفلسطينيين. ولن يعود في إمكان سورية تحقيق «التوازن الاستراتيجي». ثم إن الزعيم السوفياتي الجديد أرسل إلى رئيس وزراء إسرائيل اسحق شامير يطلب منه مساعدته في الضغط على أميركا! فإذا قدمت واشنطن المساعدات العاجلة لموسكو، لن يتسارع انهيار الاتحاد. ولم يلب شامير الرغبة!

هذا ما يرويه هالفي. لكن ماذا تذكر جنابك عن تلك المرحلة؟ ماذا حدث في العالم العربي؟ كيف تصرّف العرب حيال أهم حدث في القرن الماضي بعد الحدث الأول: قيام الاتحاد السوفياتي! لا ادري ماذا تذكر جنابك. أنا يا مولاي اذكر، بوضوح تام، انه عندما كان جدار برلين ينهار والجمهوريات السوفياتية تتفكك وميخائيل غورباتشوف يحاور الناس في الساحات العامة في دول البلطيق، أعلنت الحكومة العراقية، رسميا، أنها طلبت من «جميع» سفرائها في عواصم أوروبا الشرقية أن يضعوا دراسة حول مدى تأثير السقوط السوفياتي على الأنظمة المشابهة في العالم العربي. هل قلت، «الأنظمة»؟ نعم يا مولاي، الأنظمة. الم تسمع الحكمة العربية القائلة النظام أهم من البلد؟ كانت إسرائيل تفكر في مصيرها وبغداد تفكر في أمن النظام. وكان صدام حسين يرسل طارق عزيز إلى غورباتشوف ليطلب منه مساعدته على الكويت بينما كان غورباتشوف يطلب من شامير مساعدته على... أميركا!

هاجس إسرائيل هو بقاؤها، أيا كان النظام. وهاجس النظام العربي هو بقاؤه، أيا كانت حالة البلد والناس والشعب. لذلك عندما يسقط النظام يسقط معه البلد نفسه.

لم يكن ممكناً أن يسقط النظام العراقي، ويبقى الأكراد فيه بعد 50 عاماً من التنكيل والترحيل والحروب والهروب. ولا أن يبقى الجنوب في الجنوب. ولا أن تبقى للقوة المركزية قوتها بعد مليون قتيل في الحرب الإيرانية ـ العراقية، وبعد أن أصبح سعر الدينار العراقي في سعر الدينار اليوغوسلافي: مليار دينار لكل 40 دولاراً.

للسفارات العربية في الخارج، في معظمها، هم واحد. ليس معرفة سياسات واتجاهات الدولة المضيفة.

ليس رعاية جاليتها والاهتمام بها. هم واحد: مطاردة المعارضين وتصوير الحفلات الاجتماعية. لمعاقبة كل من يدعو مغضوباً عليه. لهذا تنهار الأمم، وتتفكك.