بدون عناء كبير تلمس أن هناك تشفيا بما يجري في فلسطين من لدن عدد من أبناء جلدتنا، نفهم أن يصطف من هم من أبناء جلدة الفرنجة إلى جانب المتشفين بنذر ’’الاقتتال الداخلي’’ كما يحلو لهم تسميته، ونفهم أن يقوم هؤلاء بإيقاد نار الفتنة وتزويدها بما يكفي من وقود، لكننا لا نفهم أن يتطوع ابناء جلدتنا بالقيام بمثل هذا الدور!

ما نود التركيز عليه هنا جملة من النقاط بالغة الأهمية، وهي ليست فتوحات معرفية، بقدر ما هي محاولة للتذكير ببعض البدهيات التي قد لا ترى لفرط قربها ووضوحها!

اولا- إشعال الساحة الفلسطينية ليس في مصلحة الأردن أو أي من العرب والمسلمين، حتى ولو كانت الثمرة تدمير حركة حماس كخيار شعبي، ولا يستفيد من هذه النار إلا العدو الاسرائيلي والإدارة الأمريكية.

ثانيا- أي فوضى (بناءة أو غير بناءة!) غربي النهر، ستلحق أذى غير مسبوق بالأمن الوطني الأردني، وقد رأينا كيف تطاير الشرر من النيران العراقية فأصابنا بلهبه، ولولا تماسك جبهتنا الداخلية، وتلاحمنا المتين في مواجهة الرياح القادمة من الشرق لأصابنا ما اصابنا!

ثالثا- التعامل مع المد الإسلامي بعقلية الاجتثاث والاستئصال، لا يفيد وغير ذي جدوى، فهذا المد تسونامي إلهية، لا دخل للبشر فيها، وكل من يقف في طريقه سينكسر، عاجلا أم آجلا، والحركة الاسلامية الفلسطينية جزء من هذا المد، بغض النظر عن إخفاقاتها أو أخطائها، قد يودي بها الاجتهاد إلى الفشل في هذه التجربة أو تلك، لكنها حركة إسلامية تنتمي إلى تيار عريض له محبوه ومريدوه الذين يفدونه بحياتهم، والتعامل الأمثل مع هذا التيار العريض لا يكون إلا بالحوار والتفاهم، المفضي إما إلى شراكة، أو تعاون، أو حياد، أما المواجهة المباشرة فلن تغير من قناعات القوم، ولن تثنيهم عن خيارهم..

رابعا- لا يمكن الفصل بين ما يجري في الأرض الفلسطينية والحركة الاسلامية المعاصرة، بمعنى أنه لا يمكن لك أن تقيم علاقة حسنة مع الاخوان المسلمين، وتناصب الحركة الاسلامية الفلسطينية العداء، وكلا التنظيمين قابلان للاستيعاب والتفاهم، على قاعدة مصالح الأمة، ورعاية مستقبل أجيالها.

خامسا- عواطف الشعوب وميولهم الوجدانية تميل إلى جانب الاسلاميين، على مختلف تلاوينهم، وهذه العواطف في تزايد ونماء، والخيار الاسلامي يتحول إلى خيار شعبي عارم، والمصلحة العامة تقتضي الالتقاء في منتصف الطريق مع هذا الخيار، لا محاولة كسره وتدميره، فهذه المحاولات لن تنجح في انتزاع القرآن من نفوس الجماهير، بل إنها تزيد من شعبيتها، وتحول رجال هذا التيار إلى ابطال وشهداء وقدوات!

سادسا- أما التشفي الذي يبديه البعض، ومساهمته الواضحة في إذكاء نار الفتنة، لا محاولة إطفائها، فهو مرصود جيدا من لدن الناس العاديين، وله عواقب وخيمة على أصحابه!