لقد فاتنا القطار يا صديقي أليس كذلك؟ أعني ذلك الافتراض الشائع هذه الأيام بانتساب القرن التاسع عشر لإنجلترا، والقرن العشرين لأميركا، والقرن الحادي والعشرين إلى الصين. وهذا يعني أن عليك حث أبنائك على تعلم اللغة الصينية من الآن. وإنني لفي مقدمة الخائفين على ارتقاء الصناعة والتعليم الأميركيين إلى مستوى التحدي الذي يمثله صعود كل من الصين والهند. لكن وبعد أن أمضيت عاماً كاملاً من السفر والتجوال على امتداد الولايات المتحدة الأميركية كلها, وبعد لقاءاتي بالقائمين على أمر التعليم والتكنولوجيا والابتكار, فقد وجدت نفسي غير مستعد بعد للتنازل عن القرن الحادي والعشرين لصالح الصين. وربما تكون هذه مناسبة أردد فيها قولة شهيرة طريفة لجدتي في ولاية منيسوتا "إياك أن تتخلى عن قرن لدولة تراقب محرك غوغل". وما ترمي إليه جدتي بهذا الكلام هو تأكيد عدم إيمانها بإمكانية انتماء المستقبل لدولة تحد من قدرة مواطنيها على اكتشاف المعرفة وارتياد آفاقها. وفي الواقع فإن فرض الرقابة على محتويات "غوغل" هو سلوك تتبعه الكثير من الحكومات السيئة التي تحكم قبضتها وتكتم أنفاس حرية الابتكار والإبداع.

واليوم فإنه يصح القول إن الحزبين الأميركيين الرئيسيين, كلاهما تائه وضال, بينما أصيبت واشنطن بالسكتة الدماغية. لكن وعلى رغم ذلك, وبسبب انفتاح اقتصادنا وتنافسيته ولا محدوديته, وبسبب بعدنا التام عن الرقابة, فما من منشأة من منشآت الابتكار باتت تنتظر من واشنطن إعلاناً عن "مشروع مانهاتان" التالي, وليكن في مجال استقلال الطاقة مثلاً. والشاهد أن المبتكرين الأميركيين شرعوا بشق طريقهم وتنمية مشروعاتها بأنفسهم, دون الاعتماد على أحد. ومن جراء ذلك, فقد أصبح متعذراً مرور يوم واحد علىَّ دون أن أتلقى رسالة من أحد المبتكرين المبتدئين, يطلب مني كتابة شيء عن كيفية عمل مؤسسته على تحويل النفايات والقمح والسكر والفحم والسماد والهيدروجين والمياه وقطع الأخشاب والرياح وضوء الشمس والأعشاب إلى خلايا طاقة.

وضمن ذلك كنت قد زرت مؤخراً مؤسسة SRI للأبحاث العلمية, حيث ينكب العلماء هذه الأيام على حل معضلة شائكة ومُعقدة, تتصل بكيفية الحصول على طاقة كهربائية أكبر من البطاريات. وفي الأسبوع الماضي كنت في مدينة باسادينا لزيارة Idealab "معمل الأفكار" الذي لم يتمالك مؤسسه "بيل غروس" نفسه من فرط الإثارة والحماس, حتى صعد بي إلى سقف مبناه كي يريني نظام الطاقة الذي بناه اعتماداً على زهرة عبَّاد الشمس. ويعمل هذا النظام بتركيز أشعة الشمس بواسطة مرايا صغيرة الحجم, ثم تجميعها في بؤرة صغيرة مصنوعة من السليكون. وقد أصبح في مقدور النظام إضاءة المنشأة بكاملها الآن.

وبعد بضعة أيام من تلك الزيارة, أجريت حواراً مع "غاري مورجنتيلر", الرأسمالي المستثمر في "سليكون فالي". وتعمل شركته في مجال الأفلام الجزئية الدقيقة المستخدمة في الألواح الشمسية, إضافة إلى عمله مع مبتكر مبتدئ آخر في الهندسة البيولوجية, بهدف إنتاج النفط من الطحالب. ثم أنهيت جولتي خلال ذلك الأسبوع بزيارة "شبكة جرينتش" للابتكار في سان فرانسيسكو, وهي المؤسسة الرائدة, التي عقدت ملتقى لعشرات الباحثين والمبتكرين في مجال الطاقة النظيفة بهدف تبادل الأفكار الخبرات فيما بينهم. يجدر بالذكر أن شركة "كلاينر بيركنز" كانت هي الجهة المنظمة لذلك اللقاء, مع العلم بأنها الجهة التي ساعدت في إنشاء محرك "غوغل", وأنها تدعم اليوم مجموعة من المشاريع الابتكارية الناشئة في مجال الطاقة البديلة.

ومن رأي "بيل غروس" من Idealab أنه ونتيجة لارتفاع أسعار النفط والوقود الأحفوري, وبسبب غياب أية قيود حكومية على مجال الطاقة, فقد تفوقت الاستثمارات والابتكارات والموهبة في هذا المجال على أي برنامج حكومي مشابه. ولذلك فما أكثر مشروعات مانهاتن التي تغري أذكى العقول والمواهب, وأكبر رؤوس الأموال لهذه المغامرة الاستثمارية الجديدة. إلى ذلك تحدث "كي آر سريدهار" صاحب شركة "آيون أميركا" عن ضرورة وجود آلية صحيحة لتحديد أسعار الطاقة, نافياً وجود ما يسمى بالسوق الحرة في مجال النفط. ومن رأيه أنه في الإمكان تحول هذه المشروعات الصغيرة الناشئة إلى استثمارات عملاقة في مجال الطاقة, في حال قيام الحكومة بأمرين اثنين, أولهما فرض ضريبة على الكربون أو الوقود الأحفوري, بحيث لا يقل سعر الجالون الواحد عما يتراوح بين 3,50 -4 دولارات, وهو ما سيرفع القدرة التنافسية للابتكارات الجديدة في مجال الطاقة البديلة.

وثانيهما ضرورة التقيد بمعايير عالية في كل من كفاءة الاستهلاك والأميال التي يقطعها الجالون الواحد, وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من جميع السيارات. وفي الاتجاه ذاته يقترح "سريدهار" إعطاء أهمية لتحديد أهداف عليا لإنتاج الطاقة في كافة المباني الحكومية, بحيث تكون منخفضة وصديقة للبيئة. وعلى الحكومة الالتزام بكونها العميل الأول لأي شركة تحقق هذه الأهداف. ويلاحظ "سريدهار" أن الحكومة تمثل أكبر مستهلك للطاقة في البلاد كلها. ولذلك فإن عليها أن تقدم القدوة والمثل القيادي, وأن تبرز عضلاتها في هذا المجال.

وعلى العموم, فإن الدولة التي تسبق غيرها في الوصول إلى الطاقة الخضراء, باستخدام أذكى تكنولوجيا مبتكرة لهذا الغرض, ستكون هي الممسكة بزمام القيادة في القرن الحادي والعشرين. وما أعلمه جيداً هو أن لدينا المبتكرين ورؤوس الأموال اللازمة. وكل ما هو مطلوب أن تكون لدينا الحكومة القادرة على توفير ظروف السوق الصحيحة والملائمة, ثم تنأى بنفسها بعد ذلك ولا تدس أنفها في الأمر.