أخطأنا. لم نخطئ. ربما كان هذا وذاك وذلك خطأ. لكنه بالتأكيد غير مقصود. أكبر خطأ. أسوأ خطأ. أصغر خطأ... هكذا تبارى جورج بوش وتوني بلير، في مؤتمرهما الصحافي، في تصنيف الأخطاء التي ارتكباها في إطار الحرب على العراق وما بعدها.

أصبح مثل هذا الغزل مع الأخطاء طقساً شبه سنوي لهذا الثنائي الذي يسجل حالياً أرقاماً قياسية في مونديال الكراهية، بدءاً بشعبيتهما المنهارة داخل بلديهما. في السنة الأولى بعد الحرب كانا لا يزالان يتبادلان التهاني على الانجاز العظيم بإطاحة نظام ديكتاتوري، ولم يكونا يحبذان أو يستحسنان سماع أي نوع من النقد. في السنة الماضية، شددا على طبيعة «النداء الرباني» الذي جاءهما من السماء، وأصبح معروفاً الآن كيف روى بوش ذلك لوفد فلسطيني مردداً أن الله أمره وأن الله قال له جورج «افعل كذا وكذا، جورج اذهب الى العراق»، وقد انتهى الثنائي البشع آنذاك الى مخاطبة العالم قائلاً: «دعوا التاريخ يقرر إن كنا أصبنا أو أخطأنا»... هذه السنة، ومع المصاعب التي يتعرض لها كل منهما في حكم بلده، قد يكون جاءهما الإلهام ليعترفا ببعض الأخطاء، لعل هذا يخفف من متاعبهما.

كان اعتراف بوش مدروساً ومحدداً ومحدوداً، فعدا فضيحة سجن أبو غريب لم يجد الرئيس الأميركي أي خطأ آخر، متناسياً أو مسفهاً قول وزيرته كوندوليزا رايس إن أميركا ارتكبت «آلاف» الأخطاء. أما اعتراف بلير فجاء تعبيراً آخر عن ميله الدائم الى التذاكي واحتقار ذكاء من يسمعه، إذ قال إن عملية «اجتثاث البعث» كان يمكن أن تتم بشكل مختلف...

وهكذا، فبعد جهد جهيد، لم يجد ثنائي الحرب سوى هذين الخطأين: أبو غريب، والاجتثاث. أي أن أي خطأ لم يرتكب في التحضير للحرب، ولا في تنفيذ الحرب، ولا في اليوم التالي للاحتلال، ولا في العاشر والمئة والألف للاحتلال. لم يكذب أحد في إدارتي بوش وبلير، ولا كذب الزعيمان شخصياً، بل إنهما لم يقررا الحرب بناء على معلومات ملفقة ومفبركة، ولا بناء على تحليلات مضخمة ومحرّفة، ولا بناء على حقائق تبين الجنود عندما لامسوا الأرض أنها ليست الحقائق... كل ذلك لم تكتنفه أخطاء (على رغم لائحة انتوني كوردسمان التي أحصى فيها نحو 50 خطأ متفاوتة المستوى)، وإنما جاءت الأخطاء من الآخرين، من أولئك الجنود الرعاع الذين بالغوا في التمتع بتعذيب السجناء وفي الترفيه عن أنفسهم عبر اذلال المحتجزين وتحقيرهم وافلات الكلاب عليهم. كما جاءت الأخطاء من هؤلاء الحلفاء الموتورين والانتهازيين الذين قرأوا عن اجتثاث النازية بعد هتلر وأرادوا ببساطة تطبيقها في بلدهم فدخلوا العراق كأنهم فاتحون استعماريون وليسوا أهله العارفين بأهله.

قفشة القفشات في المؤتمر الصحافي لم تأتِ من بوش مع أنها تليق به، وإنما جاءت من بلير الذي باتت تخونه الحنكة، إذ اعتبر في مجال «مراجعة الأخطاء» أن الخطأ الأهم كان «تصميم خصومنا على هزيمتنا». فإلى هذا الحد يعتبر أن الحرب كانت مهمة مقدسة، لذا فإنه يرى في أي مقاومة أو مواجهة خطأ من جانب الخصوم، فحتى السيد المسيح لم يجرؤ على مثل هذا الادعاء، واكتفى بالقول إنهم «لا يدرون ماذا يفعلون»!

المهم، أخيراً، إن الثنائي بوش - بلير لم يعترفا ولن يعترفا بأنهما قد يكونان مخطئين في تقويم الوضع العراقي الراهن وتحليله. هناك تهافت أميركي - بريطاني على اعتبار الحكومة الجديدة خشبة الخلاص كي يبدأ سحب بعض الجنود من قبيل مخاطبة الرأي العام لمراضاته بشيء من الأخبار الطيبة (رامسفيلد قال أخيراً إن المشكلة مع العراق هي الأخبار السيئة التي تأتي منه)، لكن مثل هذه الأخبار الطيبة يريدها العراقيون أيضاً، وهي قد تتأخر في الوصول إليه. لم يقل بوش ولا بلير أي كلمة عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه العراق، بسبب أخطاء الاحتلال وبمعزل عن الحكومة ومن فيها، وهو واقع تقسيمي خطير لا يبدو أن أحداً يستطيع ايقافه، هذا إذا توفرت الرغبة (والقضية) في ايقافه. في اجتماعهما المغلق، لا بد أن ثنائي الحرب بحث في هذه النقطة بالذات، لكنه لم يجد سبباً للحديث عنها علناً، ربما لأنها ليست تماماً من أخطاء الآخرين.