عبدالرحيم محمود جاموس
مدير عام مكاتب اللجنة الشعبية الفلسطينية

احتفى الفلسطينيون على مدى الأيام السابقة بالذكرى الثامنة والخمسين لنكبتهم التي إبتدأت فصولها وتداعياتها المعروفة للجميع في 15/أيار/1948 م ، سواء بالمهرجانات الخطابية أو بالمسيرات التي نظمت في الداخل الفلسطيني لبعض القرى التي هجروا منها داخل ما بات يعرف بالخط الأخضر ، أو بالمؤتمرات والبيانات التي أصدرتها لجان العودة التي أصبحت تمثل سمة هامة من سمات العمل الفلسطيني بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 م ، والذي كان من تداعياته المباشرة أيضاً الدعوة التي أطلقها في حينه المرحوم خالد الحسن أبو السعيد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح دعا فيها إلى تشكيل (( حزب العودة )) ورغم تباين الظروف السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحت وطأتها اللاجئون الفلسطينيون إلا أن هذه الاحتفالية بذكرى النكبة هذه السنة تبرز حقيقة ناصعة واضحة واحدة هي أن الفلسطينيين فرادى وجماعات اجتماعية أو سياسية ترى أن العودة إلى الوطن هي فقط وحدها التي تمثل نقيض النكبة والقادرة على محو آثارها المشينة المادية والمعنوية ، وما غيرها من الاجتهادات في هذا السبيل إلا مضيعة للوقت وإطالة لحالة العنف التي تلف المنطقة برمتها وإدامة لعدم الاستقرار السياسي الذي تحتاجه كافة شعوب المنطقة والعالم أجمع لحساسية المنطقة التي تقع فيها فلسطين .

هل تمكن الفلسطينيون بهذه الاحتفالية من إيصال رسالتهم وصوتهم إلى القوى المعنية والقادرة على فرض حل أو تسوية تستجيب لحاجتهم ولمطالبهم المشروعة وفي مقدمتها حقهم في العودة إلى قراهم ومدنهم وديارهم في وطنهم الأصلي فلسطين ؟! أم ما زال العالم بحاجة إلى بيان أوضح من البيان الذي قدمه الشـعب الفلسطيني على مدى سنوات التشـرد
 2-

واللجوء الثمانية والخمسين التي قضاها في هذا المنفى الإجباري والقسري ، لن يكل الفلسطينيون جيلاً بعد جيل من المطالبة بهذا الحق ( العودة ) ليس لأن الشرعية الدولية قد كفلته لهم فقط بل لأن المسألة بالنسبة لهم أبعد من أن تكون مسألة قانونية أو مسألة ظروف معيشية أو مادية يمكن التغلب عليها في أي مكان بعيداً عن الوطن أو في داخله بل لأنها مسألة ارتباط تاريخي وجغرافي وعقائدي ومعنوي واجتماعي وسياسي وقانوني بوطنهم فلسطين ، فأية جهود قاصرة عن إدراك هذا المعنى سوف يكون مصيرها الفشل في إنهاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أو طمسها .

ولذا فإن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تطرح إشكالية كبرى أمام الجهود الساعية لإقرار حل يعتمد مبدأ تقاسم فلسطين على أساس حل الدولتين ، خصوصاً وأن الطرف الآخر يرى في العنصر الديمغرافي الفلسطيني المتواجد فيه حالياً داخل حدود كيانه الغاصب تهديداً لنقائه وبقائه في خريطة المنطقة ، وذلك بسبب تركيبته العنصرية وأهدافه الاستعمارية الإحلالية ، فكيف يمكن له أن يقبل بعودة اللاجئين الذين يربو عددهم على خمسة ملايين إنسان يحلمون بالعودة إلى موطنهم الأصلي ؟!! إن ذلك يعني التقويض الكامل لمشروعه العنصري الإحلالي الوظيفي ، ولذا لا بد من تغيير لطبيعته وهذا مستحيل حتى يتقبل فكرة عودة اللاجئين الفلسطينيين ، لذلك إن إنهاء الصراع في فلسطين والمنطقة لا بد أن يرتكز على أسس منهجية أساسية لا تقوم على منطق القوة أو على شرعية القوة بل تقوم على أساس من الشرعية التاريخية والاجتماعية ، فالحقيقة التاريخية الاجتماعية ثابتة ولا تقبل التغيير وإن احتملت إمكانية التغييب بفعل عوامل القوة المتغيرة فإنها سرعان ما تعود وتعبر عن نفسها في استعادة الذات لوعيها والذي يمثل فيه البعد التاريخي والاجتماعي والجغرافي أهم محدداته ومحركاته ، فكيان الاغتصاب الصهيوني الذي يسعى جاهداً لتغييب حقائق التاريخ والجغرافيا والسكان ويفرض واقعاً قائماً على أساس القوة الغاشمة معتمداً على نظام دولي منحاز ومهيمن عليه من قوى إمبريالية لها مصلحة في فرض واقع القوة الغاشمة على الطرف الفلسطيني في سياق سياسة التوظيف التي يرتبط المشروع الصهيوني من خلالها مع
 3-

القوى الإمبريالية المهيمنة ستبقى هذه الأبعاد تقلقه وتفعل فعلها في محاصرته على طريق إزالته ، وإن تفكيك العلاقة الوظيفية القائمة بين كيان الاغتصاب الصهيوني والإمبريالية هي وحدها الكفيلة بوضع المنطقة على طريق إيجاد الحل العادل والدائم للصراع في المنطقة وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في العودة وتقرير المصير ، وذلك على أساس الحفاظ على الوحدة السياسية والجغرافية لإقليم فلسطين ، عندها فقط تزول كافة العقبات من طريق تحقيق حلم العودة للفلسطينيين ، وستنعم المنطقة على أثرها بالسلام الدائم والاستقرار السياسي والاجتماعي وستحقق في هذا الكيان الفلسطيني المنشود كامل الشروط والظروف الموضوعية للمساواة بين كافة عناصره السكانية وعلى اختلاف عقائدها وثقافاتها على أساس من استعادة الحقيقة التاريخية والجغرافية لإقليم فلسطين كجزء لا يتجزأ من إقليم المنطقة وهويتها التي ينتمي إليها وتنتهي دوامة العنف واللا استقرار التي عانت وستعاني منها المنطقة إلى أن يتحقق ذلك ، لا شك أن هذا التصور يبدو للوهلة الأولى أنه بعيد المنال وضرب من ضروب الخيال السياسي في ظل ظروف القوى المختلة حالياً لغير صالحه واستشراس الهجمة الإمبريالية الاستعمارية على المنطقة ، والتي لا تفهم إلا لغة القوة والأمر الواقع ، وإن أخضع الفلسطينيون ومعهم العرب لمنطق القوة القائم وللشرعية الدولية المنحازة للآخر وتم إنجاز الحل أو التسوية على أساس الدولتين فإن مثل هكذا حل سوف يكون مرحلياً ولا يمكن أن يكون نهائياً لأنه لن يكون قادراً على استيعاب عقدة (( حق العودة )) الذي يزداد التمسك به والإصرار عليه يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة ، وما تطور الأطر والتشكيلات التي أخذ ينتظم فيها الفلسطينيون مثل لجان العودة إلا إحدى صور التعبير عن ذلك ، فلا حل ولا تسوية بدون تنفيذ حق العودة وهذا هو الدرس المستفاد من هذه الاحتفالية الفلسطينية بذكرى النكبة .

وفي ضوء التحديات التي يواجهها هذا الحق ( العودة ) فإنني لا أستبعد قيام تشكيل أو تشكيلات سياسية تعتبر حق العودة هو الهدف الأساسي والرئيسي لها بل إنني أوجه الدعوة عبر هذه المقالة المتواضعة إلى إنشـاء مثل هذه التشكيلات وتبنيها فلسطينياً وعربياً ودولياً
 4-

حتى يتم فرض وتنفيذ هذا الحق على الأقل في ضوء ما كفلته الشرعية الدولية في القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة والذي يقضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم .

عبد الرحيم محمود جاموس

E-mail: pcommety @ hotmail.com
- الرياض
16/5/2006 م