معاريف

دافيد غروسمان
(كاتب يساري)

ان مشهد الطفلة على شاطئ غزة التي تمزقت حياتها ارباً أمام أعيننا، يجب أن يوقظنا من سباتنا العميق الذي نغط فيه منذ سنين. وبدل الحرص على "الضرر الاعلامي الذي قد يقع باسرائيل"، والقيام فوراً بصياغة الحجج المضادة التلقائية والمتآكلة، يجدر بنا النظر الى ما ارتكبته أيدينا، وأن نسأل أنفسنا إلى أين، إلى أي هوة ندفع أنفسنا بأيدينا.
لماذا كل هذا؟ لماذا نحضر النار التي لا تنتهي نحو "مواقع اطلاق القسام"، "اعتقالات المطلوبين" بحق العشرات في كل ليلة في المناطق المحتلة والاحباطات المركزة (الاغتيالات) التي تقتل الابرياء بشكل أساسي؟ ما جدوى ما نفعله على المدى القريب والبعيد، وما الذي حققته فعلاً هذه الأمور على صعيد قيم الأمن وقيم مستقبلنا هنا؟ وإلي متى سنسلم، بسلبية تامة، مواصلة مجموعة من رجال "الأمن" توريطنا في تلك الجلبة القاتلة التي نعيشها منذ عشرات السنين، بين ضربة ورد الفعل عليها، بين رد الفعل والضربة.
اليوم كانت الطفلة من غزة وأفراد عائلتها، وغداً سيكون هؤلاء، لا سمح الله، اطفال في القدس وفي تل ابيب يدفعون ثمن الرد الفلسطيني. الجيش الاسرائيلي، الذي كان في الماضي جيشاً جريئاً وأصيلاً، يتحرك منذ سنين بحركات متواترة كالالة الثقيلة ومغلقة الحس، يضرب مرة تلو مرة الفلسطينيين، وفي نهاية المطاف لا يفعل بهم سوى ان يعمق الاحساس بالمهانة والغضب والرغبة في الانتقام.
يصرح رئيس الحكومة من على كل منصة في العالم بان اسرائيل "ستبذل كل جهد ممكن" قبل ان تيأس من امكانية التفاوض مع الفلسطينيين وتتوجه الى الانطواء احادي الجانب. في المقابل نراه يستخف فوراً بالاعلان الجريء الذي اطلقه أبو مازن لاجراء استفتاء شعبي، فيصفه بانه "غير ذي أهمية". وبمواظبة واصرار يتجاهل اولمرت كل جس نبض للحوار من جانب الفلسطينيين، ويبدو أنه لا يتصور على الاطلاق أي مبادرة للحوار معهم، او اقتراح إسرائيلي شجاع يتحدى حماس.
لا يحصل شيء من هذا. الجلبة وحدها تواصل الضرب والاستنزاف أكثر فأكثر ـ للفلسطينيين، ولنا أيضاً. ورئيس الأركان، الذي ينام، بشكل عام، مطمئن البال، أمر بوقف نار المدفعية لليلة واحدة. ألم يكن ينبغي ايقافها الان لزمن اطول؟ ألم يكن من المناسب، ربما الان بالذات، الوقف التام للنار والدعوة الى مفاوضات بلا شروط مسبقة؟