لا يفترض داعمو الحكومة والمدافعون عنها حسن النية ازاء الحملة المتصاعدة عليها وتزايد الاصوات المطالبة بحكومة جديدة تحت عنوان "الاتحاد الوطني" ولا ينظرون الى هذه الحملة بـ"براءة" اللعبة الديموقراطية "الآخذة مجراها الطبيعي"... وفي تحالف الاكثرية النيابية من "يحسم" الامر فورا بالتأكيد ان الدعوة الى تغيير حكومي "مطلب سوري" بحجة ان جميع المطالبين به من اصدقاء دمشق او حلفائها او "الناطقين باسمها". ويطرح احدهم سؤالا مختصرا ايضا: هل هي المصادفة يا ترى؟
واما عند الآخرين، فالوضع يختلف طبعا. يسألون باختصار مشابه عما انجزته الحكومة. وبعضهم، كالرئيس عمر كرامي، يرى انها "لم تفعل شيئا". وبينهم من يرى ان عقد حكومة الاتحاد الوطني لا يكتمل بدون مشاركة اصحاب تمثيل شعبي وحضور سياسي، ويضربون مثلا رئيس "تكتل الاصلاح والتغيير" النائب ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجيه وآخرين. ومن اصحاب وجهة النظر هذه الرئيس سليم الحص والعماد عون نفسه. والى كل هؤلاء، فان بين دعاة التغيير من يتهجم على الحكومة ورئيسها شخصيا، فقط لانه خارجها وفي موقع المعارض، او من "يتناغم" مع حملة ضد الحكومة ويشارك فيها لانها في حسابات الربح والخسارة تصب في مصلحته من جهة، وترضي الاصدقاء في الداخل والخارج، من جهة اخرى.

ولعل الأهدأ في المطالبة بحكومة اتحاد وطني، كان الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الممثل في الحكومة بثلاثة وزراء على الاقل. قال: "نحن ندعو الى حكومة وحدة وطنية بالتي هي احسن"، محددا القوى الموجودة في الحكومة الحالية "زائد" قوى خارجها من داخل مجلس النواب وخارجه "وهي قوى ذات تمثيل شعبي حقيقي". ولم يكن واضحا ما اذا كان السيد نصرالله يقصد "بالتي هي احسن"، "تطعيم" الحكومة ام استقالتها وتأليف اخرى بالتفاهم. وهذا على كل حال ما "تقاطع" به مع الرئيس الحص الذي قالها مباشرة للرئيس فؤاد السنيورة اذ اقترح عليه حكومة برئاسة تضم اركان الحوار الوطني، وإن استثني بعضهم من المشاركة مباشرة بل عبر ممثلين لهم. ولم يكن مثل هذا الاقتراح بعيدا من حديث بين نصرالله والحص قبل يومين خلال زيارة قام بها نصرالله للحص.

وسط هذه الاجواء، فان المعني مباشرة بالتغيير الحكومي وهو الرئيس السنيورة، لا يرد على الحملات المتعددة الايقاع ضد حكومته وضده شخصيا، بل يتحدث من موقع القوي "المستغني" الذي لا يهمه ان يبقى في هذا الموقع – وهو لا يحسد عليه في ظروف ربما هي الاصعب والادق والاخطر في تاريخ الحكومات – ولا يهمه اذا خرج من الحكم ان يسعى الى العودة. تلك هي ابرز مكامن قوة السنيورة الذي يشهد له الجميع بانه في ادائه رجل دولة من الطراز الاول، بمن فيهم معارضو حكومته وخصومه السياسيون، وان رأى بعضهم ان "نقطة ضعفه انه مضطر الى الانسجام مع تحالف الاكثرية النيابية التي كانت وراء وجوده في هذا الموقع". وهو من جهته، يرد على هذه "التهمة" بهدوء: "وهل في تاريخ الرؤساء، جمهورية وحكومة ومجلس نواب، من كان في موقع المناوئ لمن انتخبوه او سموه رئيسا؟ مع ذلك، ليدرك الجميع، حبيبي، ان فؤاد السنيورة "لا يذوب" بأحد. عندما يخطئ الحلفاء نخالفهم الرأي. وعندما يصيب المعارضون نصفق لهم ونأخذ في رأيهم".
وهل ستأخذ برأي دعاة التغيير الحكومي؟

يجيب السنيورة: "لا علم لي بتغيير حكومي. هناك دستور يرعى بقاء الحكومات واستقالتها"، وهناك "اسباب" لا يرى انها موجودة في الوقت الحاضر.
واما الناخب الاهم في تسمية رئيس الحكومة، وهو سعد الحريري، فليس لديه ما يوحي تغييراً حكومياً، بل على العكس، فقد نقل عنه قبل يومين قوله لبعض زواره باختصار شديد: "الحكومة باقية ولا تغيير حكوميا في المرحلة الراهنة".

وبين المؤيدين ودعاة التغيير، ثمة قاسم مشترك هو التساؤل عما اذا كان في الامكان تأليف حكومة في حال استقالة الحكومة الحالية، ولاسيما تحت الضغط. ومن جهة ثانية، ثمة من يرى ان التغيير يعني ان يكون سعد الحريري، بصفة كونه رئيس اكبر كتلة نيابية، رئيسا للحكومة الجديدة. وهو لا يقبل ترؤس حكومة مع رئيس الجمهورية الحالي اميل لحود. لذلك فان اي تغيير محتمل، وإن يكن الامر مستبعدا في المدى المنظور، سيكون عبر حكومة برئاسة السنيورة نفسه، وهذا ما يؤكده احد ابرز المطالبين بحكومة اتحاد وطني. ومع ذلك ثمة من يحرص على الحفاظ على موقع حيادي وعلى استقلالية وحرية التحرك، وعلى البقاء على مسافة واحدة من الجميع، من 8 آذار الى 14 منه، وهو الرئيس نجيب ميقاتي المتهم من بعض اركان "اللقاء الوطني" الجديد و"عرابه" الرئيس عمر كرامي بانه يحافظ على هذا الموقع، وقد نأى بنفسه عن دخول "اللقاء" تحسبا لاي تغيير حكومي. ميقاتي لا يرى غضاضة في ان يتهم بالحفاظ على استقلاليته.

رزق: ما الحب إلا...

وفي الوجه الآخر للواقع الحكومي، ثمة تجدد في الحرص على التضامن في الحكومة، وان يكن بديهيا ان يلتزم الوزير، ايا يكن انتماؤه السياسي او الحزبي، قرارات مجلس الوزراء. وكان لافتا امس حرص وزير العدل شارل رزق على تأكيد مزيد من الاحترام والمحبة للرئيس السنيورة. قال: "ان الاختلاف في الرأي شيء، والخلاف شيء آخر". وكشف ان الاسم الذي كان موضع نقاش في مجلس القضاء الاعلى، كان في مرحلة من المراحل بين الاسماء التي اقترحها "القضاة الحكميون" وحظي بموافقة الرئيس السنيورة. ثم يذكّر بان "علاقتي بالرئيس السنيورة تعود الى ثلاثين عاما مضت عندما كان هو الى جانب الرئيس سليم الحص في حكومته الاولى عام 1976 وكنت انا الى جانب الرئيس الياس سركيس". ثم يختصر علاقته بالرئيس السنيورة قائلا: "ربما هناك من يحبه اكثر وقريب منه اكثر مني. ولكن ليس هناك من هو اقدم مني في محبته واحترامه، وفي النهاية، ما الحب الا للحبيب الاول"!

وأخيراً سواء كانت الحملة على الحكومة نتيجة هجوم مضاد بعد طي صفحة المطالبة بتنحي رئيس الجمهورية، ام نتيجة "ايحاء" خارجي، وايا تكن صحة تحميل دمشق وزر الحملة المتصاعدة على الحكومة ورئيسها، فان المسألة تصبح نسبية قياسا بالمشهد السياسي الذي لا يوحي وجود "انزعاج" سوري في حال استقالة حكومة السنيورة الذي تعرض لاعنف حملة من المسؤولين السوريين ولم يكن آخرها تحميله وزر قرار مجلس الامن الدولي رقم 1680!