أسفر تسليط جهود الكونجرس مؤخراً على قضايا مثيرة للخلاف والجدل، مثل زواج المثليين وحرق الأعلام, والكشف عن حزب "يونيتي 08" كحزب ثالث جديد ينوي اختيار مرشحه لانتخابات الرئاسة عبر الاقتراع الإلكتروني... أسفر كل ذلك عن تكثيف النقاش والأخذ والرد حول إمكانية ظهور حزب ثالث بل حتى رابع, خلال المعركة الانتخابية الرئاسية المقبلة. لكن حتى هذه اللحظة, فإن معظم الاهتمام انصب على كيف سيكون في وسع هذا الحزب تعزيز موقف الناخبين بواسطة استخدامه للشبكة الإلكترونية؟ وفي الإجابة على هذا السؤال, يسرني أن أدلي هنا بفكرة على أمل أن يقدم على تطويرها المستثمرون السياسيون أو حتى الحزب الثالث نفسه "يونيتي 08". وأعني بهذه الفكرة مفهوم "الخضرة الجغرافية". فكيف يمكن أن تبدو قاعدة حزب كهذا؟

أعتقد أن محوره الأساسي سيكون المطالبة بفرض ضريبة قدرها دولار واحد على جالون النفط تسمى "الضريبة الوطنية" ويستمر دفعها على مدار العام. ولكن لابد من تخفيض ضريبة الوقود المفروضة على أولئك الذين يقل دخلهم عن 50 ألف دولار في العام, وأولئك الذين تفوق حاجتهم للقيادة المعدل العادي. ثم تخصص مليارات الدولارات الناتجة عن هذه الضريبة لدعم نظام الضمان الاجتماعي, وكذلك لدعم المواصلات ووسائل النقل النظيفة الخالية من التلوث بين مختلف المدن الأميركية. ويلي هاتين الأولويتين, أهمية دعمنا لخفض نسبة العجز في ميزانيتنا العامة, لنصل إلى الأمر الرابع الذي لا يقل أهمية, ألا وهو دعمنا لجهود البحث العلمي التي تضطلع بها "المؤسسة العلمية القومية" إضافة إلى وحدات البحث العلمي التابعة لكل من وزارتي الطاقة والدفاع.

والأهم من هذا كله أن "ضريبة الوطني" ستؤدي إلى رفع أسعار الوقود إلى معدل يرجح من قدرة بدائل الطاقة الأكثر وعداً, مثل غاز الإيثانول والبيوديزل والغاز الفحمي والطاقة الشمسية والنووية, على المنافسة التجارية مع منتجات النفط, بما ينجم عنه في نهاية المطاف خفض درجة اعتمادنا الحالي على النفط الخام, وبالتالي خفض انبعاثاتنا من غازات بيت الزجاج.

إيجازاً فإنه في وسع "الحزب الأخضر" الزعم بأن له خطة وبرنامج عمل قادرين على تحقيق أمن الطاقة الأميركي, وكذلك الأمن البيئي والاقتصادي والاجتماعي, بحركة واحدة متعددة ومتشعبة النتائج والاتجاهات. كما يمكنه المناداة بوضع حد للحرب في العراق, والادعاء أن له برنامجاً قادراً على حفز انتشار الديمقراطية وتقدمها في العالم العربي, دونما حاجة لخوض حرب جديدة هناك. وبربط كل هذه الأهداف والبدائل مجتمعة بالنفط, فإنه سيتسنى لنا أن نخفض تدريجياً سعر البرميل الواحد من النفط الخام إلى ما بين 25 و30 دولاراً. وبهذه الخطوة وحدها نكون قد أرغمنا بأفضل وأنجع وسيلة ممكنة, عدداً من الدول النفطية المتغطرسة, على تبني قيم الديمقراطية والانفتاح. ومما نعرفه عن هذه الدول أنها لا تقدم على إصلاح نظم حكمها وسياساتها, لمجرد أن تدعوها إلى ذلك. بل الصحيح أنها لا تلجأ للإصلاح إلا عندما تجد نفسها مضطرة لذلك. وصدقوني أنها لن تفعل إلا عندما ينخفض سعر برميل النفط الخام.

وفوق ذلك وقبله, فإن في إعادة أميركا لقيادتها لبدائل الطاقة النظيفة, ما يرد لها الكثير من مكانتها الدولية المتميزة التي خسرتها خلال السنوات الماضية, جراء ركل إدارة بوش لمعاهدة كيوتو والتزاماتها. وفيما لو فعل هذا "الحزب الأخضر", فإنه سيخلق لأميركا قاعدة تحالفية دولية واسعة ممتدة, تمكن المجتمع الدولي كله من التصدي الجماعي لخطر الإرهاب. ثم يمكن لنزعة الجغرافيا الخضراء هذه, أن تكون قاعدة لانطلاق نهضة وطنية تعليمية أميركية جديدة, ربما تلهم أجيالاً من الشباب الأميركيين, وتدفعهم إلى تعلم الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا والهندسة, بما يمكن أميركا ليس من تحقيق استقلالها في مجال الطاقة فحسب, بل ويضعها في مقدمة الدول المستثمرة في الصناعة الأكثر أهمية على الإطلاق في القرن الحادي والعشرين: أي صناعة الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء.

وإن أردتم مني الصراحة, فإنني لست من أنصار بروز حزب سياسي ثالث، أخضر كان أم خلافه. فلكَمْ وودتُ لو أن للديمقراطيين أجندتهم الخضراء الخاصة بهم، دعك من الجمهوريين فهم لا أمل لهم في هذا مطلقاً! وعلى حد قول "ميكا سيفري" مؤلفة كتاب "الغليان السابق للعراك: سياسات الحزب الثالث في أميركا", فقد ارتبط ظهور الحزب الثالث تاريخياً في أميركا, بإمساك جماعة ما, بقضية مهمشة لا يلقي لها أحد بالاً, وتزعم أن لها قاعدة شعبية تؤيدها وترى أهمية تلك القضية. وتضيف "سيفري" أن الفوز يكون من نصيب هذه الجماعة عن طريق الدفع بما تنادي به إلى محور الاهتمام الأميركي الواسع, حتى وإن نسي الجمهور لاحقاً القضية نفسها.

وفيما يبدو فإن في سماء السياسة الأميركية اليوم, ما يشير إلى ملاءمة الظروف لبروز حزب ثالث كهذا. وفي استطراد آخر لها قالت المؤلفة إن المسألة هنا ليست هي إحداث انقسام وهمي شكلي بين مواقف الجمهوريين والديمقراطيين, وإنما الدفع بأجندة سياسية جديدة إلى الساحة, بحيث تكون لها القدرة على بعث مشاعر الأمل والثقة في القيادة الجديدة. فليس التبشير بالمستقبل الظلامي هو ما يحفز الناخبين, وإنما الأمل. ولكي نتفادى خلط الأوراق, فليست الخضرة فلسفة متكاملة الأركان, ولا هي بالبديل الموازي لليبرالية ولا الحركة المحافظة الأميركية, وإنما هي أداة ضغط عليهما معاً.