ما يحتاج الى تحليل الآن ، ليس ما يحدث في فلسطين ولبنان والعراق ، بل هو دمنا الذي لم نعد نعرف نسبة الماء فيه ، ونسبة كريات الدم البيضاء ، بعد ان اوشكت المناعة على الانتهاء.
والمشهد على التوالي.. هو عراق يقضمه الاحتلال ويمتص دمه.. لكنه يتآكل ، ويجهز فيه المرضى على الجرحى والجرحى على الاموات.. وفلسطين يخترقها الاحتلال من الخاصرة الى الخاصرة ومن الوريد الى الوريد ولا تجد بعض الاطراف فيها غضاضة في عض بعضها ، بحيث يبدو رهان الحرب الاهلية الذي استخدمته اسرائيل سلاحا استراتيجيا مرشحا للفوز ، اكثر من حماس ومن فتح ومن مختلف الفصائل،.
ولبنان الذي يواصل تعميق الانشقاق في تضاريسه الطائفية ، يتحول الى مجال حيوي ونموذجي لنشاط الموساد الذي غالبا ما يتسرب من الصدوع او يشم رائحة تعفن ولو من اصبع عربي واحد ،
هكذا لا يليق التحليل والتركيب والتفكيك حتى لو كان منهجيا ووفق اخر ما افرزته حقبة ما بعد الحداثة بهذا الوضع ، فهو لا يحتاج حتى الى توصيف ، ما دامت طفلة مثل هدى ومن قبلها محمد الدرة ، وبينهما مئات الاطفال المذبوحين قد تولوا إخبار العالم بما يحدث ، وبالدم لا بالحبر ، وبالصراخ لا بنشرة انباء متحذلقة ومتلفزة ، يقاطعها الاعلان ، او المونديال.

التحليل اذن يليق بهذا الدم الملتاث والموبوء والذي اصبحنا نشك في انه دمنا ، لانه لا يرتعش و لا تسري فيه القشعريرة وهو يصغي الى كل هذا الصراخ وهذه الاستغاثات التي تذهب سدى ،
لكن لفلسفة تهريب الوقائع ، وابتكار القضايا البديلة ، متعهدون ، لا يسمون الاشياء باسمائها وقد يفسرون الماء بعد الجهد بالرمل لا بالماء ، ذلك ببساطة لان الاعتراف بما يجري يتطلب على الفور مواقف تتدرج من اضعف الايمان الى اقواه.. وهذا هو بيت القصيد وبيت الداء معا ، لان المواقف اصبحت باهظة التكلفة ، لهذا رسبت اعداد غفيرة في الاختبار ليس بسبب عُسْره ، بل لان التهرب اصبح حرفة ، وثمة اخصائيون ضليعون في البحث عن مسوغات واهية ، ونوافذ خلفية للهرب.

ان صورتنا كعرب الان ، امام الملأ اصبحت شائهة ، وثمة من يطلقون على هذا الحراك الاعمى اوصافا نعف عن ذكر بعضها ويبدو ان فائض الجهالة الاولى تمدد الى هذه الالفية ، فصار بكر يغزو اخاه ان لم يجد من يغزوه كما قال شاعر ملدوغ بسم ذوي القربى ،
ان الافراط في التحليق عاليا وبعيدا عن هذا الدم ، وهذا الخراب ، هو تواطؤ يضيف الصمت الى البارود.

ان متوالية الاخضاع ، والتأقلم القسري مع الانهيار الذي لاحقت نذره في الافق ، اصبحت ثقافة بديلة ، ومقررة ، مبتدأ جملتها السياسية الكذب وخبرها شهادات الزور ، وما قرع من اجراس حتى الان ، لم يبلغ الاذان التي اصابها الطنين بالصمم ،
وليس من المعقول ان نكتب يوميا عبر الاف الصحف وعلى امتداد هذا المنفى القومي الذي لم يعد وطنا على الاطلاق كلاما هو توأم الصمت ان لم يكن الصمت ذاته .. بينما اصاب ألم المخاض حتى الجبال ، وانطقت القشعريرة الحجر، ،