مراد بن شلالي/ لوموند/ 16-6-2006

لقد حررت من معسكر غوانتنامو في تموز 2004. وعندما كنت أتهيأ لركوب الطائرة التي ستعيدني إلى بلادي , فرنسة, تذكرت آخر المعتقلين الذين ودعتهم وكان يمنياً شاباً . كان غارقاً في انفعالاته . لقد قال لي :" في بلادك يا مراد حقوق , حقوق للإنسان , وفي بلدك هذا يعني شيئاً . أما في بلدي , هذا لايعني شيئاً على الإطلاق, ولا أحد يهتم بذلك. لذا, عندما تصبح حراً لا تنسَ هذا المكان. قل للعالم أننا نحن , نحن هنا ..." ولقد وعدته ألاّ أنسى أبداً .

لحسن الحظ , لم يكن هذا الرجل ضمن الثلاثة الذين أعلن عن انتحارهم من قبل إدارة المعسكر , السبت 10 حزيران . ولكن , من حينها لم تفارق عباراته خيالي. وأنا آخذ على نفسي أنني لم أفعل الكثير للوفاء بوعدي له. وأشعر أنني في أعماقي , ورغم الحرية التي أصبحت ملكي اليوم , لم تزل الآلام التي تقاسمتها مع المعتقلين تعيدني إلى هناك , إلى كوبا , مثل كابوس مستمر.

في ربيع عام 2001, وكان عمري تسعة عشر عاماً, ارتكبت الإثم واستمعت إلى نصيحة أخي الكبير وسافرت إلى أفغانستان من أجل ما اعتقدت أنها ستكون إجازة الأحلام. وقد قال لي أن أصدقاءه سوف يهتمون بي. وهذا ما فعلوه _ أرسلوني إلى حيث لا أدري أنه سيكون معسكراً للقاعدة. وقعت في الفخ ووجدت نفسي وسط الصحراء سجين خوفي وحماقتي. وما إن تمكنت من الهرب , اتخذت طريق العودة. كنت على بعد عدة كيلومترات من الحدود الباكستانية عندما وصلني نبأ هجمات 11 أيلول 2001. كان رعبهم فيه شيء غير واقعي ومع ذلك , وبشعور غامض ومخيف , شعرت أن قدري ارتبط بظروفهم. وبعد عدة أيام , أغلقت الحدود الباكستانية , وبقي المعبر الوحيد عبر جبال الهندو كوش مشياً على الأقدام.

كنت ضمن مجموعة من الأشخاص غير المسلحين ؛ وكان معظمهم مثلي , أطفال مضيعون للإسلام , اجتذبتهم أفغانستان بفكرة المغامرة – الخاطئة بالتأكيد وفي الوقت غير المناسب.. أوقفت وكنا نشرب الشاي في جامع في الباكستان . وبعد أيام من توقيفنا سلمنا إلى الأمريكان . كنت أجهل وقتها معنى ذلك , ولكننا صنفنا " أعداء مقاتلين" –لم أشعر أنني عدو لأحد , لم أأسر في ساحة للقتال ولم أحمل سلاحاً ضد أحد.

وبعد أسبوعين كابوسيين في قاعدة عسكرية أمريكية في قندهار , نقلت إلى غوانتنامو, وراء تلك الأسوار الشائكة للتعاسة والفظاعات. إنه من المستحيل أن أصف في سطور قليلة الآلام والتعذيب المستمر وعموماً , فإن ذلك ليس هو أسوأ ما في الموضوع . الأسوأ هو أن تكتشف بمرور الأيام , أنه مهما قلت , لن تحدث أي تغيير , كنت أكرر نفس الأشياء للمحققين , من المخابرات العسكرية , من الCIA, من الFBI, ...ولأول مرة سمعت عبارة :" إن ملفك يتقدم " اعتقدت أنني أطير من الفرح. وفيما بعد , وبعد أشهر من الخيبات المتواصلة , أخذت أحاول أن أحصن نفسي من المرض الذي لاشفاء منه : الأمل .

أذكر أن أحد المحققين , وخلال سلسلة من الجلسات , أخضعني لفحص نفسي يجب أن أجتازه وكان حسب رأيه لا يخيب . وبعد انتهاء الفحص بقيت ساعة في قاعة الاستجواب . ثم عاد وقال لي :" مبروك , لقد نجحت في الامتحان ." وأعطاني علبة سكاكر . فكرت عندها وبسذاجة , أنه في العالم الخارجي , الفرق بين أن تكذب أو تقول الحقيقة , بين أن تقترف الجريمة أولا , هو الفرق بين أن تكون داخل السجن أو أن تنعم بالحرية . في غوانتنامو , الفرق هو علبة سكاكر.

خلال عامين ونصف في غوانتنامو , كنت شاهداً مباشراً على عدة عمليات عصيان , تبدأ من صيحات الجوع وتنتهي بمحاولات الانتحار . " إنهم أذكياء وخلاّقون ويعرفون ماذا يريدون " , هذا ما أعلنه الأميرال هاريس الذي يقود المعسكر حالياً . ويتابع :" ليس لديهم احترام للحياة , حياتهم أو حياتنا . أعتقد أن هذا ( حالات الانتحار ) ليس فعلاً يائساً , إنه فعل حرب غير متوازنة موجهة ضدنا ."

أنا مسلم هادئ . لم أخض حرباً في حياتي , ولا حتى غير متوازنة (؟) ضد أي أحد. ولم أكن ضد الأمريكان قبل سفري, وبمعجزة ما , لم أتحول إلى ضد –أمريكاني بعد عودتي. في غوانتنامو , شاهدت عدة وجوه قد قساها الإسلام الراديكالي والكره , ولكن الغالبية العظمى الذين يعودوا إلى ذاكرتي – والذين يقضون مضجعي في الليل – هم عنوان اليأس , العذاب وعدم الفهم الذي تحول إلى جنون.

واحدة من نتائج تجربتي في غوانتنامو أن هذا المعسكر كان مدرستي : لقد تعلمت فيه العربية والانجليزية والقرآن والصلاة.( وهذا قد يفاجئ كثيراً , ولكن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي لا يصادر من المعتقلين ويؤذن للصلاة في المكبرات خمس مرات في اليوم.)

اليوم كثيراً من المصادر ( بما فيها مصادر الجيش الأمريكي) تعترف أن معظم السجناء ليسوا متهمين بأي جرم جدي, وأنا مقنع أن عدداً صغيراً منهم تورط في أعمال عنف أوقتل . ولكن ماتردد على سمعي تكراراً من قفص إلى قفص بكل لغات العالم لم يكن عبارة :" حرروني, أنا بريء " , وإنما عبارة :" حاكموني على ما اقترفته !" هناك قسوة غير متناهية لنظام يبدو غير قادر على تحرير الأبرياء وفي نفس الوقت غير قادر على معاقبة المذنبين .

اعتقل مراد بنشلالي في معسكري إكس-راي ودلتا في غوانتنامو من كانون الثاني 2002 حتى تموز 2005. سوف يخضع للمحكمة التصحيحية في باريز ابتداءاً من 3 تموز بتهمة " المشلركة المسيئة بعلاقة مع منظمة إرهابية" .