يدعيوت أحرونوت

ابراهام طال

جرّت الحرب الارهابية من قطاع غزة ردود فعل كثيرة ومتنوعة: فثمة من يطالب باحتلال القطاع واستبدال ضجيج صواريخ القسام والعدد القليل للإصابات بعملية سفك دم مؤكدة وواسعة النطاق، تشمل أيضا جنودنا؛ ويطلب آخرون القيام برد قاس ورادع، تدمير بيوت كبار المسؤولين على سبيل المثال، على الرغم من أنه واضح للجميح استحالة ردع من لا يتورع عن إقدامه على الموت، وبالطبع لن يرتدع من موت آخرين؛ وهناك من ينشغل بمواجهة الصور المزعزعة على مستوى العلاقات العامة؛ وثمة من يأسف لقيام البعض بالإعراب عن أسفهم. والقاسم المشترك بين غالبية ردود الفعل هو تقليصها إلى المستوى التكتيكي.
على المستوى الاستراتيجي، لا يمكن وجود أدنى شك لدى كل عاقل في أنه ثمة جواب واحد فقط لهذا الارهاب: الجواب السياسي. صحيح أنه حتى في حال تراجعت حدة الوضع، لا يمكن توقع حصول تهدئة تامة واتفاق وطني شامل لدى الطرف الفلسطيني. ويمكن القول إلى أنه بسببنا ولأسباب داخلية أيضا، تنشط في هذه المرحلة بين أوساط الفلسطينيين قوى تدميرية لا يمكن التحكم بها: عملية تجزئة في المجتمع تفكك قسم كبير من الوحدة الوطنية القليلة؛ غياب تقاليد الديمقراطية؛ عداوة وقساوة داخلية؛ وبشكل رئيسي وجود إحساس باليأس وعدم وجود ما يمكن خسارته ـ كل هذه الأمور تضمن تقريبا بأن تُرافق كل تسوية سياسية بمظاهر تمرد وعصيان وأعمال شغب ارهابية. لكن على الرغم من ذلك، فإن الحل والوسائل السياسية هي الوحيدة التي يمكنها تحريك عملية التهدئة، التي ربما ستقود مع مرور الوقت ـ وقت غير قليل ـ إلى السلام، وفي نهاية المطاف، إلى وضع يمكن تحمله قريب من حال السلام.
كل هذا لا ينفي الحاجة إلى الردود العسكرية التي يمكن أن تكون قاسية احيانا، والمخاطرة بالمس بالأبرياء. لكن بشرط أن يتم دراسة وتقدير الوسائل والنتائج على المستوى التكتيكي، في ضوء الهدف الاستراتيجي. وحتى الآن لم تُثبت ردودنا نجاعة حتى على المستوى التكتيكي، وبالتالي فإن التصعيد ـ وهو أمنية المنظمات الارهابية ـ لا يحقق المصالح الإسرائيلية. والأخطر من ذلك هو حقيقة أننا لم ننجح أبدا في تحديد الأهداف الاستراتيجية.
كان يتعين على وزير الدفاع أن يُثبت في هذا التوقيت القيمة المضافة له كمواطن وكسياسي، وعدم الانجرار وراء الجيش. ذلك أن وظيفة الجيش القتال؛ ووظيفة الوزير إثبات أن الأهداف السياسية تشكل غاية القتال العسكري، وليس العكس. وهذا هو الوقت المناسب من ناحيته للخروج إلى الجمهور والعالم مع خطة سياسية كاملة وشاملة، ذات أهداف محددة وواضحة على المدى القصير، المتوسط والبعيد. ولا يكفي تحرير التسريبات كما لو أنه هو من كبح جماح الجيش الإسرائيلي. ذلك أن لجم الجيش ليوم أو يومين لا يشذ عن مجال التكتيك الفوري. فكل خطوة وتصريح لعمير بيرتس ـ سواء كانت كبح الردود أو تصعيدها ـ سيكون لها وزن مغاير كليا، في حال حصلت في إطار خطة سياسية شاملة.
سيحظى كل رد عسكري وعنيف من قبل الجيش الإسرائيلي ـ شرط بذل كل الجهود فعلا لتجنب إصابة الأبرياء ـ بتفهم دولي وحتى فلسطيني كبير. ويجوز لوزير الدفاع، الذي هو أيضا رئيس ثاني اكبر حزب، الخروج بخطة سياسية واضحة، حتى عندما لا تكون خطته مشابهة لخطة رئيس الحكومة. ويجدر به أن يتذكر، عند صياغتها، ملاحظة ماوتسي تونغ: "يجب أن تشعر الغاريلا ( الذين يقومون بحرب غوارية) أنها كالسمك في البحر". فمن دون تأييد شعبي لن يُكتب البقاء للإرهاب.