قالت الاستاذة فاطمة الرنتيسي، وهي سيدة ذات اعتبار ثقافي عربي، إنها لا تفهم لماذا تغلق اسبانيا ابوابها في وجه الآخرين. وهذا كلام انساني جميل. وكنت ممن حلموا ذات مرحلة بأن تتصالح الشعوب والحضارات ولا يعود في الارض بؤس ولا ثأر ولا فقراء. ورفضت، ولا ازال، الكثير من مظاهر العالم الذي نحن فيه. وكلما كنت اواجه صدمة شخصية او وطنية او انسانية احلم بأنني سوف أفيق غدا في عالم مختلف، لا اثر فيه للظالم والأحقاد والصغائر. ومع العمر تعلمت ألا احلم كثيرا. او طويلا. وما زلت استبقي من احلامي وعاداتي السالفة شعورا طفوليا واحدا. وهو تقبل حقيقة بشرية قديمة. وهي انني من الممكن الا اكون على حق. او على الاقل ان الآخر قد يكون مظلوما ايضا. او انه يملك مبررات او ذرائع من النوع الذي تسمح به القوانين البشرية. والخلاصة انني بشري. وعادي. ومن رحم الارض والتراب والصلصال. ومنذ ان هدى الله خلقه تناثرت أساطير الآلهة وتحولت تماثيلهم الى متاحف اليونان وسلوى السياح.

هل نعاتب اسبانيا لأنها «تغلق ابوابها»؟ متى فعلت ذلك؟ أليس بعد تفجير القطارات المسائية الناعسة التي تحمل عمالها وبسطاءها؟ أليس بعد سنوات طويلة اصغت خلالها الى الخطب التي تحرض على أمنها وعلى نظامها وعلى عاداتها؟ أليس بعد ان بلغت نسبة المساعدات الاجتماعية للمهاجرين 80% و20% للاسبان؟ ومتى قررت ايطاليا ان «تغلق ابوابها»؟ أليس بعد ان قال احد الرؤساء العرب ضاحكا على فضائية النضال، ان الافارقة سوف يغرقون اوروبا بعد قليل في اي حال؟ ومتى قررت بريطانيا ان «تغلق ابوابها»، أليس بعد ان قرر المناضلون الانتقال من نسف القطارات بالبارود الى نسفها بالمواد الذرية؟ ومتى قررت السويد ان تعدل قوانينها للمرة الاولى في التاريخ، أليس بعد ان أقدم مهاجر على ذبح ابنته على عتبة المنزل، الذي تدفع الدولة ايجاره وطبابة اهله وطعامهم وتعليمهم؟ أما لماذا الذبح على العتبة وليس في صالة الاستقبال، فلأن تقاليد الشجاعة والفروسية والأبوة، تقضي بالمناداة على الجيران ليشاهدوا كيف يستعاد الشرف المفقود. وصدف، تلك المرة، ان الجيران كانوا سويديين. وأكثرهم اعضاء في جمعية الرفق بالحيوان التي تؤوي القطط الشاردة. وحدثت في الحي حالة إغماء جماعية.

إننا لا نكف عن اتهام الاوروبيين بكونهم يجهلون حضارتنا. ونتهمهم بأنهم يديرون ظهورهم لتراثنا وآثارنا في التاريخ ودورنا في الامم. ونلعن جهلهم العفوي او المضمر للمساهمات العلمية والفكرية والأدبية في حضارات الكون. ومن ثم يأتيهم من قبلنا وتحت راياتنا من ينسف قطارات المساء. او من يقتل 150 شخصا في مسرح. او مائة طفل في مدرسة. ثم نسأل: لماذا «يغلقون الابواب»؟.