نصر شمالي

بصدد العلاقة الأميركية الإسرائيلية يتساءل أفنيري:
هل الكلب يلوّح بالذيل، أم الذيل يلوّح بالكلب؟!

تشهد الولايات المتحدة في هذه الأيام ظهور أصوات شجاعة تخوض علناً في المحرّمات التي لا يجوز مجرّد التلميح إليها ولو في حديث خاص، وفي مقدمتها ما يتعلق باللوبي الصهيوني، فقد نشر أستاذان كبيران من جامعة هارفرد وجامعة شيكاغو بحثاً تناول تأثير اللوبي اليهودي في سياسات الولايات المتحدة, فعرض الباحثان في ثمانين صفحة أن اللوبي المساند للكيان الصهيوني يسيطر على واشنطن بآلية لا كوابح لها, وأنه يثير الذعر في قلوب جميع أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وأن البيت الأبيض خاضع له، وكذلك جميع وسائل الإعلام الأميركية المهمة والجامعات، وقد أحدث البحث عاصفة هوجاء، وبالطبع اتهم الباحثان كالعادة بمعاداة السامية، وبإعادة إحياء بروتوكولات حكماء صهيون وغيرها، غير أن المفكر الأميركي (اليهودي) النزيه نعوم تشومسكي اعترض على استنتاجات الباحثين (ستيفن فولت وجون مرسهايمر) وليس على الوقائع الثبوتية التي تضمنها بحثهما، فاللوبي اليهودي، من وجهة نظر تشومسكي، لا يبلور السياسة الأميركية بل يجسّد مصلحة أصحاب رأس المال والنفوذ في الولايات المتحدة، الذين يقفون وراء السياسة الامبريالية الأميركية ويستغلون الكيان الصهيوني لتحقيق أهدافهم!
لقد علّق الإسرائيلي المعارض المناضل من أجل السلام يوري أفنيري على الجدل الدائر في الولايات المتحدة، بين من يقول بسيطرة اللوبي اليهودي على السياسة الأميركية لصالح الكيان الصهيوني وبين من يقول بأن اللوبي والكيان الصهيوني في خدمة أصحاب المال والنفوذ الأميركيين، فلخص الجدل بكلمات بسيطة صاغها على شكل تساؤل: هل الكلب يلوّح بالذيل، أم الذيل يلوّح بالكلب؟! وانتهى إلى القول بأن التكافل الأميركي الإسرائيلي هو ظاهرة مميزة ومعقّدة جداً، بحيث لا يمكننا وصفها بأنها مجرّد مؤامرة. إن الكلب يلوّح بالذيل، وإن الذيل يلوّح بالكلب، أي أن كلاً منهما يلوّح بالآخر!
* * *

ولتوضيح استنتاجه، عرض أفنيري حالة العراق كمثال، فقد تضرعت الحكومة الإسرائيلية كي تجتاح الولايات المتحدة العراق الذي يمثل بالنسبة إليها تهديداً استراتيجياً، وتحققت رغبتها بفضل المحافظين الجدد، وجميعهم تقريباً يهود صهاينة يتمتعون بتأثير هائل على البيت الأبيض، وهكذا تبدو الحالة واضحة: اللوبي الإسرائيلي دفع بالولايات المتحدة إلى الحرب ضدّ العراق، والكيان الصهيوني هو المستفيد الوحيد من هذه الحرب، وبالتالي إذا ما انتهت الحرب بكارثة تحل بالولايات المتحدة فإن اللوم سيقع على الإسرائيليين! هاهنا يتساءل أفنيري: ولكن ماذا عن النوايا الأميركية في السيطرة على موارد النفط الهامة في العالم، وبالتالي السيطرة على الاقتصاد الدولي؟ وماذا عن الرغبة الأميركية في إقامة فيلق خاص في العراق، ينهض في قلب العالم العربي، ويرابط عند آبار النفط العراقية، ما بين حقول النفط السعودية، وحقول النفط الإيرانية، وحقول نفط بحر قزوين؟ وماذا عن التأثير الهائل لشركات النفط على عائلة بوش؟ وماذا بشأن الشركات العالمية العملاقة، وأبرز عملائها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، وهي الشركات التي تراودها أحلام جني مئات المليارات من وراء العملية المسماة "إعادة إعمار العراق"؟
يقول أفنيري أن العبرة المستخلصة من قضية العراق هي أن العلاقة الأميركية/ الإسرائيلية تبلغ ذروتها عندما تتقاطع وتمتزج مصالحهما كوحدة واحدة، بغض النظر عما إذا كان ذلك سيستمر لأمد بعيد أم لا، فالولايات المتحدة تستخدم الكيان الصهيوني لإحكام سيطرتها على "الشرق الأوسط" والكيان الصهيوني يستخدم الولايات المتحدة لإحكام سيطرته على فلسطين، ولكن، عندما يقع حدث شاذ، مثل فضيحة بولارد، أو بيع طائرة استخباراتية للصين، تبرز فجوة بين مصالح الطرفين، وفي حالة كهذه يمكن لواشنطن توجيه صفعة رنانة مؤلمة للإسرائيليين!
* * *

إن العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني – حسبما شرح أفنيري – فريدة من نوعها، ويبدو أنه لم يسبق مثيل لها في التاريخ، ومن غير الممكن تفسير هذه الظاهرة بالمصالح الاقتصادية فقط، بل يجب الاعتراف بوجود بعد "روحاني" أيضاً، فليس محض صدفة أن يخترع المتطرفون المسيحيون الأميركيون فكرة الصهيونية قبل أن تراود هرتزل في أحلامه، واليوم يبدو اللوبي الإنجيلي في واشنطن مهماً بمقدار أهمية اللوبي اليهودي، وحسب رأي اللوبي الإنجيلي يتوجب على اليهود السيطرة على "أرض إسرائيل" بهدف التمهيد للمجيء الثاني للمسيح، وعندها، من وجهة نظر الإنجيليين، سوف يعتنق يهود كثيرون الديانة المسيحية (الإنجيلية البروتستانتية تحديداً) أما البقية من اليهود وغير اليهود فسوف تتم إبادتهم في موقعة مجدّو!
يختم أفنيري بالقول أن ظاهرة العلاقة الفريدة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ترتكز على خيال يجمع بين أسطورتين قوميتين دينيتين: الأسطورة الأميركية والأسطورة الإسرائيلية! ففي كل منهما وصل الروّاد الطلائعيون، الذين جرت ملاحقتهم في بلدانهم الأصلية على خلفية دياناتهم، إلى شواطئ أرض الميعاد، وكان عليهم مواجهة "المتوحشين" الذين خططوا لإبادتهم (سكان البلاد الأصليين) فأنقذوا أرض الميعاد من المتوحشين، وأنعشوا الصحراء، وأقاموا (بعون الله!) مجتمعاً مزدهراً، ديمقراطياً وأخلاقياً، لكن المجتمعين يعانيان ضمنياً من إنكار وإحساس بالذنب غير معترف بهما، في الولايات المتحدة بسبب إبادة الهنود الحمر وعار العبودية السوداء، وفي فلسطين بسبب طرد نصف الشعب الفلسطيني واستعباد نصفه الآخر، وللتخفيف من حدّة الإنكار والإحساس بالذنب، ومن باب طمأنة النفس، يتكهنون، في الولايات المتحدة وفي فلسطين المغتصبة، باستمرار الحرب الأبدية بين أبناء النور وأبناء الظلام!
www.snurl.com/375h