صالح النعامي

لا خلاف على أن عملية " الوهم المتبدد " التي نفذتها " كتائب عز الدين القسام "، الحناح العسكري لحركة حماس، و " ألوية الناصر صلاح الدين "، الجناح العسكري ل " لجان المقاومة الشعبية "، ومنظمة " جيش الإسلام "، والتي أسفرت عن مقتل جنديين من جنود الاحتلال واختطاف ثالث وجرح سبعة اخرين، هي العملية الأكثر جرأة والأكثر تنظيماً والأعمق تخطيطاً التي تنفذها المقاومة الفلسطينية منذ اندلاع الانتفاضة الأولى. وقد أعادت هذه العملية المحكمة للأذهان العمليات التي كان يقوم بها حزب الله، مع العلم أن هذه العملية تمت في ظروف أكثر تعقيداً بكثير من الظروف التي كانت تتم بها عمليات حزب الله. فقد دللت العملية على أن التفوق الإسرائيلي الهائل على الحركات المقاومة في مجال التسليح وفي مجال التقنيات العسكرية المتقدمة، لم يحل دون نجاح المقاومين الفلسطينيين في مفاجأة العدو الصهيوني في المكان الذي يزعم أنه من أكثر المواقع العسكرية تحصناً. في نفس الوقت، فقد بات واضحاً أن تشكيلات المقاومة المسؤولة عن العملية قد حققت انجازاً في المجال الذي تزعم إسرائيل دوماً أن لها اليد الطولى فيه، وهو المجال الاستخباري. وكما يقول المعلق الاستراتيجي الإسرائيلي الجنرال زئيف شيف، فأن مخططي العملية ومنفذيها أثبتوا أن لديهم قدرات كبيرة في جمع معلومات استخبارية فائقة الأهمية ساعدت في نجاح العملية بشكل تجاوز كل التوقعات. وحسب شيف، فأن المقاومين لم يقدموا على تنفيذ العملية إلا بعد أن عرفوا كل التفاصيل المتعلقة بالموقع المستهدف. ويعرب يعكوف بيري الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية " الشاباك " عن استهجانه من الجرأة التي ميزت منفذي العملية الذين نفذوا العملية على الرغم من وجود تعزيزات عسكرية كبيرة جداً في محيط المكان. من ناحيته لا يرى الجنرال دان روتشيلد سبباً للشعور بالماجأة من جرأة منفذي العملية، قائلاً " مثل هذه الجرأة هي صفة طبيعية لأناس يتبنون عقيدة دينية إسلامية، لكن المفاجئ بالنسبة لي هي قدرات التخطيط الفائقة التي ميزت الاعداد للعملية ". وتحول قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال الجنرال يوآف جيلنات الذي يقع الموقع المستهدف تحت مسؤوليته الى هدف للانتقادات والتشكيك في أهليته، الى درجة المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق للكشف عن أوجه القصور في عمل المستويات القيادية المختلفة.

صحيح أنه من المتوقع أن تجر هذه العملية سلسلة من الردود العسكرية الاسرائيلية القاسية على الشعب الفلسطيني، وقد تطال المستويات السياسية في الساحة الفلسطينية، إلا أنه في كل الأحوال، فأن هناك عدة تداعيات ايجابية لهذه العملية:

- عززت العملية موقف حركة حماس وحكومتها في الشارع الفلسطيني بشكل كبير. فقد دللت العملية للشارع الفلسطيني على أن الحركة على الرغم من تشكيلها الحكومة وانشغالها بالعمل السياسي لم تترك خيار المقاومة، الأمر الذي شكل ضربة قوية للعديد من فئات المشككين بالحركة ومواقفها، والذين اتهموا الحركة صراحة بأنها تركت خيار المقاومة طمعاً في السلطة، وأخذوا لا يتورعون – ومن باب الاحراج – عن مطالبة الحركة بالرد على أي عمل ارهابي صهيوني. ومما لا شك فيه أن العملية النوعية ستساهم في تهدئة التوتر الامني بين حماس وحركة " فتح "، على اعتبار أن هامش المزايدات بين الحركتين سيتقلص الى حد كبير.

- من المتوقع أن تساهم العملية في اعادة تصويب مسار الحوار الوطني الفلسطيني. فقد بات واضحاً بعد قبول حركة حماس وثيقة " الأسرى "، أثر إدخال التعديلات عليها، أن هناك اطرافاً لا تكتفي بذلك، بل تريد التخلص من وجود حماس في الحكومة، بالزعم أنه لا يكفي أن تقبل حماس بوثيقة الأسرى، بل عليها أن تقبل بقيام شخصية من خارج الحركة بتشكيل الحكومة، مبررين ذلك بأن هذه الوسيلة الأفضل لرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من أن حل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية قد أصبح مطلباً وطنياً يفرضه الواقع، إلا أنه و للأسف، فأن بعض الأطراف التي تنادي بتشكيل حكومة الوحدة تفعل ذلك من اجل الالتفاف على نتائج الانتخابات الحرة والنزيهة. وجاءت هذه العملية، لتقول حماس من خلالها لهذه الأطراف أن التمسك بالكراسي ليس هدفاً بحد ذاته، وأن ثمة خيارات اخرى لدى الحركة.

- وجهت هذه العملية رسالة قوية للمجتمع الصهيوني مفادها أنه لا يمكن للشعب الفلسطيني وقواه المقاومة أن يقبل بمواصلة اسرائيل لعدوانها ضد المدنيين الفلسطينيين نساءاً وأطفالاً. ونظراً لأن هذه العملية استهدفت موقعاً عسكرياً، فأنه لا يمكن لدولة الاحتلال وماكنة الدعاية التابعة لها أن تصفها بالعملية الارهابية. فقد قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني صراحة أن استهداف المقاومين الفلسطينيين لجنود الاحتلال لا يعد ارهاباً. ومن المتوقع أن تساهم هذه العملية في تهاوي الاجماع الصهيوني خلف سياسة القمع المتبعة من قبل حكومة اولمرت حالياً، على اعتبار أن هذه السياسة لم تؤدي الا الى تدهور الأوضاع الأمنية بشكل غير مسبوق.

- أكدت هذه العملية للمجتمع الدولي الذي فرض الحصار والعقوبات الجماعية على الشعب الفلسطيني في اعقاب اصراره على تعبيره عن خياره الحرب، كما عكست ذلك نتائج الانتخابات التشريعية، وللدول العربية التي تواطأت في فرض الحصار على الحكومة المنتخبة، أنه لا يمكن حشر الشعب الفلسطيني في الزاوية، وأن لدى هذا الشعب وقواه المقاومة القدرة على اعادة خلط الأوراق بشكل لا تتوقعه الأطراف المتآمرة عليه.