الغد

ربما ستنفزنا كل المصطلحات التي تحاول نقل تعبير ولو غير صادق عما يتراكم فوق رؤوسنا، لكننا في نفس الوقت لا نعرف تماما كيف سيصبح الموت في غزة والضفة اغتيالا جماعيا وليس مجزرة .. لأن المجازر تحمل بعدا إنسانيا وما يحدث اليوم هو نوع من صحوة التاريخ القديم الذي يذكرنا أن الموت المنتشر لم يترك أثرا في نفس الرجال المكررين منذ سقوط بغداد إلى اليوم.

في المعادلة السياسية من الصعب أن يصبح إلغاء الآخر بالموت حالة نهائية .. وفي المعادلة الأمنية يبدو تكريس الموت قانونا لا نهائيا لاجتذاب القحط .. وفي معادلة الفوضى البناءة فإن الاغتيال قاعدة ترتكز عليها صورة الدم واللهب والسيارات المفخخة.

منذ ستة سنوات يتلاحق الموت معبرا عن حالة استثنائية لم نشهدها من قبل، رغم أننا تعرفنا عبر قون متواصلة على الإباحة.. تلاحق في العراق، وكما بدأ مع الألفية الجديدة في فلسطين، لكن الجريمة التي يتم تكريسها اليوم ليست فقط بحق سياسيين وكتاب وصحفيين وأطفالا أبرياء، إنها يقظة الموت في وجه المجتمع ... وارتكاس الرغبة في الحياة أمام إعصار استراتيجيات "بناءة"...

وإذا كانت مسائل الاغتيال تحتاج إلى لجان تحقيق، والمجازر الجماعية لهيئات تقوم بتقصي الحقائق، فإننا نحتاج بالفعل إلى فهم الاستباحة، وإلى "ورشات" عمل تحاول فهم هذا المنطق الجديد في عالمنا، لأننا مستباحون مع التعصب الذي تتبناه .. ومستباحون رغم أنف التراث الذي نحمله على اكتافنا ... أما الاغتيال الذي نعاصره اليوم فلا ينفذه جهاز أو شخص ... هذا النوع من الاغتيال مرتبط بقدرة المجتمع على الاختراق .. أو حتى بطاقة الثقافة على التجاوب مع الحلول "البناءة"....!

في يوم واحد يقوم الاغتيال بفعله عبر "الاستباحة" ... اعتقال وزراء ونواب وحجب الحضارة عن مجتمعات بكاملها ... والفعل الأخير هو شريط إخباري في أسفل الشاشة نراقبه ربما بدون مبالاة ... هذه الصورة النهائية التي تدعونا اكثر من أي وقت مضي لاعتبار أننا لا نملك يوم شيئا ... وعلينا خلق بدايات جديدة.