صالح النعامي

كان التوتر بادياً على شعبان عندما قدمنا الى دكانه لشراء بعض الحاجيات،وبالكاد استجاب هذا الشاب الذي هو في أواخر العقد الرابع من عمره لطلبنا. ويرجع توتر شعبان وعصبيته الظاهرة الى تلف ما في ثلاجة الدكان من بوظة بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتواصل عن منطقة الرمال وسط مدينة غزة، مثلها مثل معظم مناطق قطاع غزة في اعقاب قيام الطائرات النفاثة التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي بقصف محطة توليد الكهرباء وسط قطاع غزة. وكان رد شعبان الوحيد على جيرانه من أصحاب المحلات التجارية الذين كانوا يوبخونه على عدم تزويد محله بمولد كهربائي، أن المدخول المتواضع الذي يدره المحل لا يسمح له بشراء مولد كهربائي.

وما حدث صبيحة امس لشعبان حدث لمعظم اصحاب المحلات التجارية في ارجاء قطاع غزة، إذ أنه عدد قليل جداً من أصحاب المحلات التجارية لديهم مولدات كهربائية. خليل صاحب محل تجاري في معسكر اللاجئين المغازي وسط قطاع غزة، والذي تعرض لنفس ما تعرض له شعبان، يتساءل " كيف بامكاني شراء مولد كهربائي تكلفته 3500 شيكل (800 دولار )، وما اجنيه من هذه الدكان لا يتجاوز الخمسمائة شيكل في الشهر (110 دولار ).

وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه تقدير الخسائر المالية الناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي، فأنه يمكن القول أن حجم الخسائر كبير جدا، مقارنة بالاوضاع الاقتصادية المتدهورة أصلاً في قطاع غزة. وبإستثناء عدد قليل منها، فأن معظم المخابز في قطاع غزة قد توقفت عن العمل صبيحة أمس بسبب انقطاع التيار الكهربائي، حيث أن القدرة الانتاجية للمخابز المزودة بمولدات كهربائية غير كافية لتغطية حاجة جميع المناطق. عوني احد سكان منطقة " بركة الوز "، وسط قطاع غزة يقول أنه اضطر الى الذهاب الى مدينة " دير البلح "، لشراء الخبز بعدما أخبره صاحب الدكان في الحي أن المخبز الذي يتعامل معه لم يرسل الخبز بسبب انقطاع التيار الكهربائي. والملاحظ أن الكثير من العائلات اضطرت على طهي كل ما لديها من لحم في مجمدات الثلاجات مرة واحدة بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

جمال أحد سكان مدينة غزة يقول أن زوجته اضطرت الى طهي كمية اللحم التي كان من المقرر ان تكفي العائلة حتى مطلع ا لأسبوع القادم، خوفا من تلفها. وبعدما اصبحت العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة أمراً واقعاً فقد لوحظ منذ ساعات بعد ظهر امس اقبال كبير من قبل الأهالي على محلات التجارية للتزود بالمواد الغذائية، والشموع، الوقود. اسماعيل بليمه الذي يقيم منزله على مساحة دونم، في الريف الواقع شرق مدينة " دير البلح "، وسط قطاع غزة، يقول أن تأثير الأيام القادمة على عائلته سيكون قليل، على اعتبار أن لدى زوجته فرن طابون، ولديه من الحطب ما يكفي لمدة شهر. في المقابل فأنه بدت هناك رغبة لدى الكثير من الفلسطينيين في بناء افران من الطابون للتغلب على انقطاع امدادات الغاز. إلى جانب ذلك، فأنه مع استئناف الطائرات النفاثة الإسرائيلية من طراز " اف 16 "، غاراتها الوهمية والتي تخترق حاجب الصوت محدثة انفجارات وهمية ضخمة تسبب الفزع والخوف في نفوس الناس الى جانب ما تسببه من اضرار كبيرة للمنازل، فأن معظم العائلات عادت للالتزام بالتعليمات التي تسلمتها في آخر مرة مارست فيه اسرائيل هذا النوع من الممارسات. وحسب هذه التعليمات، فأنه يتوجب ترك نوافذ المنازل مفتوحة حتى تتحطم بفعل عمليات القصف الوهمي. الى جانب ذلك، فأن الكثير من العائلات اصبحت تحرص على جعل الاطفال ينامون في وقت مبكر حتى لا يكونوا مستيقظين في حال قامت الطائرات بعمليات القصف الوهمي المرعبة في الليل.