دمشق أتاحت فرصة ذهبية للسنيورة وتجديدها يتطلّب جهوداً سحرية

هل سيتكرّر العرض السوري بتحديد موعد لرئيس الحكومة، غير مشروط بجدول أعمال؟
ما بين الزيارة الأولى للرئيس نبيه بري إلى دمشق، والزيارة الثانية، أسابيع قليلة، تلاحقت فيها أحداث وتطوّرات على مستوى المنطقة، ظهرت انعكاساتها سريعاً، فسوريا تبدو مرتاحة، بينما الفريق الحاكم في لبنان، تحوّل، مع انصراف <الحلفاء> الى اولويات بديلة، من <عاوز ومستغني>، او <مطنش>، حيال العرض السوري في الزيارة الاولى، الى <متلهّف> للوقوف، ولو على تفصيل بسيط مما أتى به بري من العاصمة السورية.. كادت اللهفة تقول: <ليتنا كنا معكم..>.
بعد تلك الزيارة، سلّم بري الرئيس فؤاد السنيورة مفتاح الباب الدمشقي، وأبلغه بأن الطريق <سالكة وآمنة>. ولكن التريث والاستنكاف، كسرا المفتاح، وأضاعا فرصة ذهبية للبدء بنقل علاقة البلدين من الاسفل، إلى المستوى الطبيعي. ولأن بري لُدِغ من جُحر مرة بلغ معها حدّ التهديد بكشف المفشِّلين.. فإنه تحصّن في المرة الثانية بكتمان، حجب ما حمله الى دمشق، وما عاد به منها.
ويبدو من خلال هذا التدرج من تسليم المفتاح إلى الكتمان، ان منسوب ايجابية الزيارة الاولى، انخفض الى مستوى أدنى، ولا كلام لا عن سالكة، او آمنة، او مقفلة أو حتى وعرة. فقط إشارة الى أن بري سيواصل مسعاه، لعله يوفق في فتح نافذة إنعاش. ولكن من البديهي الافتراض ان الفرصة التي أُهدرت لا تعوّض بسهولة، وقد يتطلّب التأسيس لمثلها جهوداً سحرية او مضنية، خصوصاً أن الفريق الحاكم وحلفاءه، راكموا اسبابا متعددة لإبقاء ابواب سوريا مغلقة، أقلها إلقاء المسؤولية عليها في اي شأن، وحتى اعتبار من يعارضون او ينتقدون حكومة السنيورة على أداء ما، بأنهم مجرد صدى لصوت من دمشق يريد تفجير الحكومة للإطاحة بالمحكمة الدولية.
فالصورة في الجانب السوري، كما يقول مطلعون، قائمة على توتر وقلق واحتقان واضح يتزايد بقوة في الشارع، مبعثه <شعور بغدر> لحق بسوريا، وبمقابلة حسن نيتها بسوء نية، من قبل بعض الفرقاء اللبنانيين. وقد عكس الرئيس بشار الاسد امام ملتقى الأحزاب العربية في دمشق، الموقف السوري الذي يحمل من جهة، كل التقدير للحلفاء في لبنان الذي وقفوا مع سوريا في أزمتها، وعلى وجه الخصوص <حزب الله>، وحركة <امل> والحزب القومي.. الى سائر الحلفاء. ومن جهة ثانية، يحمل شعوراً أقرب الى الندم، من خلال اشارة الرئيس الأسد الى انه كان قد أقرّ شخصياً بارتكاب أخطاء في لبنان، <لكن الخطأ السياسي الكبير الذي ارتكبته سوريا في لبنان، كان صناعة من افترضت انهم حلفاء، وانقلبوا عليها. لكن سوريا تدرك ان لها أصدقاء في لبنان، وحلفاء، وهي تراهن بشكل اساسي على الشعب اللبناني، الذي تشعر دمشق أنه معها وليس ضدها>.
وضع وليد جنبلاط شائك جداً في دمشق، ومسألة <استرداده> وإعادة فتح باب سوريا امامه، ليست مسألة شخصية تخصّ الرئيس الأسد وحده، كما قال الرئيس السوري أمام الملتقى، بل هي تخصّ الشعب السوري، الذي يعتبر أن ما قام به جنبلاط كبير جداً.. والموقف ذاته تقريباً، كان الأسد قد كرره ، مع الاسباب السورية المانعة، أمام وفد حزبي لبناني، اقترح على الرئيس السوري، إعادة الانفتاح على جنبلاط، على اعتبار أن في ذلك مصلحة مشتركة. لكن اللافت أن الوفد المذكور لقي تشجيعاً عندما عبّر عن عزم حزبه الانفتاح على جنبلاط. والنتيجة، عاد الوفد إلى بيروت، وطلب موعداً للقاء جنبلاط ، فتحدّد ضمن <المواعيد الشعبية> في يوم سبت فأُقفل الموضوع..
ولا يقلّ وضع الرئيس السنيورة صعوبة. والرئيس الاسد تحدث امام الملتقى عن <ثقة صارت مفقودة>. وروى بعض الوقائع منطلقاً من تقدير للدور والجهد الذي يبذله <صديق سوريا الرئيس نبيه بري>، كما وصفه الاسد، ليؤكد ما مفاده <أننا وعندما حضر الرئيس بري الى دمشق، حدّدنا موعداً للسنيورة من دون شروط، ولكن مع الأسف، لسنا من تلكأ، أو ماطل. وأكثر من ذلك وقفوا ضدنا وأخذوا يهاجموننا ويرمون المسؤولية على سوريا.. ما اضطر رئيس الحكومة السورية ووزير الخارجية الى الردّ>..
والاهم في موقف الاسد، ما ابداه حيال بعض طروحات الفريق الاكثري، ولا سيما منها موضوع التمثيل الدبلوماسي بين بيروت ودمشق، والذي ورد في مقررات مؤتمر الحوار،حيث ذكر الرئيس السوري بأن هذا الموضوع قد تمّ طرحه في الاجتماع الاخير للمجلس الاعلى اللبناني السوري، وقد وافقت عليه، مع الاشارة الى أنه قد حضر الى لبنان آنذاك عن طريق مطار بيروت، ولهذا الأمر دلالة. ولكن اليوم الامر اختلف، وكما قال الرئيس الاسد بأنه نظراً للظروف الراهنة، لا يمكن أن يحصل، او لا نستطيع أن نقيم تمثيلاً دبلوماسياً.
والامر المستغرب الذي توقف عنده الاسد هو الطروحات التي صدرت من بيروت (فريق الاكثرية) والداعية الى الغاء او تعديل الاتفاقيات الموقعة بين لبنان وسوريا. علماً، والكلام للرئيس الاسد، ان كل هذه الاتفاقيات هي لمصلحة لبنان، وليس فيها اية اتفاقية لمصلحة سوريا، وبالتالي من شأن أي إلغاء او تعديل لاي من هذه الاتفاقيات، إلحاق الضرر بلبنان وحده.
تعكس الأجواء السورية تحولاً نوعياً في موقف وموقع سوريا وشعوراً واضحاً بالاطمئنان، تعززه تطوّرات الملف الايراني، التي فرضت بدورها تبدلاً في الواقع العربي، خصوصاً حيال دمشق، التي تذكر، كما يقول احد المسؤولين، كيف تُركت سوريا وحدها في أزمتها، وكيف انصرف العرب عنها، حينما اشتدت الحملة الدولية ضدها. وكيف وقفت معها تركيا، النمسا، إيران، روسيا... الخ. ولم تقف اي دولة عربية إلى جانب سوريا، وليس هذا فقط، أخذوا عليها علاقتها مع ايران. ولكن مع بروز الملف النووي الايراني، وانصراف الاميركيين الى تحقيق مصالحهم، خافوا، وصاروا يتسابقون إلى الجمهورية الإسلامية، ويتودّدون الى دمشق، التي تطمئن الخائفين.