هآرتس

تسافي برئل

شلومو أرغوف (المرحوم)، موجود في غزة، واسمه جلعاد شليط. أرغوف كان سفير اسرائيل في بريطانيا عندما تعرض في مثل هذا الشهر، قبل 24 عاماً، لإطلاق نار في رأسه من أحد أعضاء تنظيم أبو نضال. بعد إصابته البليغة بـ48 ساعة بدأ الفصل الذي استغرق 18 عاماً، والذي أُطلق عليه اسم "سلامة الجليل". بالنسبة لإسرائيل، اعترف اريئيل شارون في حينه بأن المس بأرغون كان الشرارة التي أشعلت النار الكبرى.
جلعاد شليط شغّل الآن منظومة مجنونة اندلعت قبل 24 سنة، وانتظرت عدة اشهر حتى تندلع من جديد. يبدو أن اعادة شليط بسلام لم تعد الهدف الأساسي الآن، ذلك لأن الجهاز تحرر وهو الآن مندفع في شوارع غزة، ولديه مختطف شغّل سلسلة من التفجيرات وهو ليس بحاجة الى أكثر من ذلك. الآن حان وقت وضع نظام جديد في لبنان، عفواً في غزة، لأن أحداً ما يجب أن يدفع ثمن الكرامة المفقودة، ثمن الفشل، ثمن انتخاب حماس للسلطة، وصواريخ القسام والاستخفاف الفلسطيني بخطة فك الارتباط والجدار المحيط بغزة. باختصار، إنه اختطاف استراتيجي. والمطلوب الآن هو ترك الجيش الاسرائيلي ينتصر.
الاسم الذي أُعطي لهذا الهجوم، "أمطار الصيف"، يدل هو ايضاً على شيء غير طبيعي في هذه المنطقة. المطر في الصيف. هذا اسم أقل نجاحاً بالتأكيد من الاسم الذي أطلقه الفلسطينيون على عمليتهم: "الوهم المتبدد"، ويمكن من الآن ملاحظة أعراض المرض. وهو يبدأ بقضية لا مغزى لها، إلا أنها جزء من الأعراض. أولا يبدأون في تدمير محطات الطاقة وفرض الظلام، ومن ثم يلقون في ظلام الليل منشورات للسكان.
هذا ما تفعله دولة بدأت الآن فقط دورة في الاحتلال أو دولة فشلت تماماً في هذه الدورة. ذلك أن هذا الاختراع العجيب كان قد جُرب مرات كثيرة جدا، في غزة والضفة ولبنان والعراق والشيشان وافغانستان وعشرات المواقع الاخرى لدرجة لا يمكن فيها إبدا التسامح مع تكرار هذا العمل. هذه الخطوات لم تتمخض في أي مكان في العالم عن النتائج المرغوبة.
ولكن اسرائيل تسامت على نفسها الآن. هي اختطفت اغلبية قيادة حماس وسجنتها في باحتها. ليس لأن هذه الخطوة لم تُجرب من قبل، إذ قامت اسرائيل باختطاف مواطنين لبنانيين كأوراق مساومة ومن ثم أعادت اغلبيتهم من دون مقابل. وربما كان اعتقال المساومة هذا مجرد بداية للعملية، وأن اسرائيل ستُقدِم قريبا على إبعادهم، وربما الى مرج الزهور، الموقع الذي نموا فيه وتحولوا الى قادة في ولاية اسحق رابين. أو أنها قد تُبعدهم الى اريتيريا حيث نما قادة حيروت، أو أنهم قد يقومون بانزالهم في سوريا، ذلك أننا قلنا بأن "أمطار الصيف" هي مسألة غير طبيعية. وماذا بعد ذلك؟ هل سيخرج أحد فجأة من أنفاق رفح ويوافق على اجراء مفاوضات مع اسرائيل لاطلاق سراح جلعاد شليط؟
ما أهمية ذلك. شليط أنهى مهمته. انتهى التكتيك، وحان الآن دور الاستراتيجية: هذه الحكومة تسعى الى إدخال نظام جديد والقضاء على حكومة حماس ووضع أبو مازن في منصب مدير اعمال اسرائيل في المناطق الفلسطينية. ولكن، حذار، فمن ينسب الى اسرائيل تفكيراً استراتيجياً لا يمكنه في الوقت نفسه أن يدعي أنه ثمة جنون في الاسلوب. هم بالتأكيد يعرفون ماذا يفعلون. هم حكومة، أليس كذلك؟