صالح النعامي

فرك أهل الحي عيونهم، وهم لا يكادون يصدقون أن الذي ينتصب أمامهم لابساً البزة العسكرية ومتأبطاً سلاحه الرشاش، وقد تمنطق بحزام من قنابل " ميلز "، هو أحمد ( 28 عاماً )، البائع المتجول في الأسواق الشعبية، ذلك الشاب المعروف بولعه باللهو، و الذي يقضي كان جل وقت فراغه في العزف على " اليرغول " في السهرات التي تجمعه بإصدقائه.

كان أحمد الأب لثلاثة أطفال، واثقاً وواضحاً في رده على أحد معارفه الذي استهجن أن ينضم هو تحديداً للمقاومة، وطرح سؤالاً لم ينتظر إجابة عليه قبل أن يسرع الى أحد تجمعات المقاومين في المنطقة، قائلاً " هل ننتظر حتى يحتلونا من جديد، الموت بكرامة أفضل من هكذا حياة ".

ما حدث لأحمد حدث للكثير من الشباب الفلسطيني منذ أن شرعت إسرائيل في حملة " أمطار الصيف "، فإقبال الشباب الفلسطيني على التطوع في صفوف المقاومة كبير جداً، لدرجة أن بعض حركات المقاومة باتت عاجزة عن استيعاب المزيد من المتطوعين للخدمة في صفوفها. "

أبو أنس "، أحد القادة الميدانيين في الذراع العسكري لأحد حركات المقاومة الفلسطينية يقول أنه حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً لم يكن يتوقع هذا الإقبال الكثيف من قبل الشباب للتطوع في صفوف المقاومة، مؤكداً أن العمليات الإسرائيلية العسكرية زادت من التحدي لدى الشباب الفلسطيني.

" ابو محمد "، أحد قادة المقاومين في شمال القطاع يؤكد أن أكثر من 90% من المتطوعين من الشباب يصر على المشاركة في تنفيذ عمليات فدائية تفجيرية. والذي يؤكد أن الدافعية للقتال والمواجهة لدى الشباب الفلسطيني قد وصلت الى حد السريالية، هو ذلك المشهد الذي يلحظه كل من يزور منطقتي المواجهة الأساسيتين، في شمال وجنوب قطاع غزة، وتحديداً في محيط بلدة " بيت حانون "، وبالقرب من مطار غزة الدولي.

فعلى الرغم من تحليق الطيران الإسرائيلي المكثف وعلى ارتفاعات منخفضة في سماء المنطقة، وعلى الرغم من وسائل الرصد الإلكتروني بالغة الدقة التي تستخدمها قيادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال في تعقب حركة المقاومين في المنطقة، وعلى صدى قذائف المدفعية الثقيلة التي تسقط في المنطقة، يواصل المقاومون من مخضرمين ومن متطوعين جدد، القيام بالاستعدادات اللازمة للمواجهة المحتملة، والشبه مؤكدة مع ق وات الاحتلال.

شباب أعمارهم تتراوح من الثامنة عشر الى الحادية والعشرين تحت لهيب حر تموز يحفرون الخنادق ويضعون السواتر الترابية في الطرق التي من المحتمل أن تسلكها دبابات الاحتلال لدى قيامها باقتحام المناطق الفلسطينية.

حسان ( 19 عاماً )، أصيب بضربة شمس جراء اصراره على العمل المتواصل تحت لظى الشمس الحارقة في وضع المكعبات الأسمنتية في الشوارع المؤدية لمدينة " رفح "، أقصى جنوب قطاع غزةن بقصد اعاقة حركة دبابات الاحتلال. الكثير من الشباب الفلسطيني يواصلون العمل في إقامة التحصينات في محيط القرى ومخيمات اللاجئين التي التي تعتبر ضمن مناطق التماس مع قوات الاحتلال.

الكثير من هؤلاء الشباب تطوع للخدمة في صفوف المقاومة بعلم وموافقة عوائلهم، والبعض الآخر بدون علم ذويه وضد رغبتهم. خليل ( 51عاماً )، من مخيم البريج، وسط قطاع غزة يتابع بنظره اربعة من أولاده الذين تتراوح اعمارهم بين السابعة عشر وحتى الثانية والعشرين عاماً، وهم يخرجون للالتحاق ب " سرايا المرابطة " في التخوم الشرقية للمخيم. ومثله مثل الأغلبية الساحقة من الذين التحق ابناؤهم بصفوف المقاومة حديثاً، فأن خليل يؤكد أنه يتوجب التضحية بكل شئ في أي جهد يمكن أن يؤدي الى اطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال. كل من يستمع للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لابد أن يفاجأ من مدى تحمس الناس للمواجهة الحالية مع دولة الاحتلال مع كل يتجرعونه من أذى فقط لأن هناك أمل أن تنتهي هذه المواجهة بالافراج عن الأسرى أو بعضهم.

هذا الاستعداد أذهل حتى المشرفين على تجنيد المتطوعين في صفوف المقاومة، وسرعان ما وظفته جميع الفصائل الفلسطينية من أجل زيادة عدد عناصر جهازها العسكري.اللافت للنظر أن بعض الشباب الفلسطيني قبل التطوع في صفوف اذرع عسكرية لفصائل لا يتوافقون معها ايدلوجياً، بعد أن تبين لهم أنه لا مجال لاستيعابهم في صفوف الاذرع العسكرية للفصائل التي يلتقون معها في المواقف السياسية والمنطلقات الأيدلوجية، فكل ما يعني هؤلاء الشباب هو فقط المساهمة في الجهد العسكري للمقاومة في هذه المواجهة. والذين لا يستطيعون التطوع في الخدمة العسكرية، يقومون بوضع امكانياتهم المادية لخدمة المقاومة. فجميع اصحاب الشاحنات والجرافات التي شاركت في اقامة التحصينات العسكرية قاموا بذلك تطوعاً وبدون أي مقابل مادي. وعلى الرغم من النقص الكبير في الوقود، فأن بعض اصحاب محطات الوقود تبرعوا بكميات كبيرة الوقود للمقاومين.