في اليوم الثاني للهجمات الاسرائيلية على لبنان بات من الواضح اننا امام حرب جديدة يشنها الجيش الاسرائيلي عن بعد بواسطة القصف الجوي والبري والبحري من دون اي توغل عسكري بري حتى الآن. وكل المؤشرات تدل على ان العمليات العسكرية ستتواصل لتحقيق الاهداف التي، وفقاً للقيادة العسكرية للجيش الاسرائيلي وقيادته السياسية، يمكن اختصارها بالآتي:
 الهدف العسكري الاساسي هو ضرب شبكة الصورايخ البعيدة المدى التي كان "حزب الله" يهدد بها العمق الاسرائيلي والتي استخدمت للمرة الاولى في اليومين الماضيين ضد المدن والبلدات الاسرائيلية وبلغت حيفا. ويبدو ان الشرط الاسرائيلي الأول للقبول بوقف النار هو عدم عودة الحزب الى المواقع العسكرية التي كانت له على طول الحدود واقامة نوع من حزام أمني منزوع السلاح. والأهم من ذلك كله تغيير ميزان القوى الذي كان قائماً طوال السنين الماضية بين اسرائيل و"حزب الله" بحيث لا يعود الوضع الى الستاتيكو السابق.
الى أي حد يمكن ان تحقق الحملة العسكرية الحالية هذا الهدف؟ في رأي عدد من الضباط الاسرائيليين الكبار ان على اسرائيل ألا توهم نفسها بأنها قادرة على تدمير كل شبكة الصورايخ القريبة والبعيدة المدى رغم كل الاخبار التي نشرتها الصحف الاسرائيلية الصادرة امس عن تدمير مخازن كبيرة لهذه الصواريخ، كما لا يخدع القادة العسكريون الاسرائيليون أنفسهم بأنهم قادرون على حسم المواجهة مع الحزب لمصلحتهم. الهدف هو توجيه ضربة قاسية ومؤلمة للحزب وتغيير الواقع القائم.
 الهدف الثاني هو تدمير البنى التحتية اللبنانية وتقطيع اواصر البلد بقصف الجسور والحصار البري والبحري والجوي المفروض على لبنان منذ اول من امس. وهنا يظهر بوضوح ان الحكومة اللبنانية هي الهدف الثاني لهذه الحرب. وبغض النظر عن كل الكلام على تفكك الوضع الحكومي وضعف هيبة الدولة وعجزها عن فرض سيطرتها على جميع انحاء الوطن، فهي تبقى في نظر اسرائيل حكومة يتمثل فيها "حزب الله". وقد اعطيت السلطة اللبنانية فرصة لمدة سنتين لتطبيق القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن والقاضي بتجريد "حزب الله" من سلاحه ولكنها لم تنجح في القيام بذلك. وعليها والحال هذه ان تدفع الثمن وان تتحمل مسؤولية أعمال المقاومة الاسلامية. وعندما يقول عدد من المحللين العسكريين ان هذا الضغط على الحكومة اللبنانية لن يثمر ولن يؤدي الى النتيجة المرجوة، اي طلب الحكومة الحالية من "حزب الله" وقف القصف والافراج عن الأسيرين الاسرائيليين، تجد محللين آخرين يقولون ان تحييد البنى التحتية المدنية طوال السنين الماضية من القصف والضرب لم يؤدّ أيضاً الى نتيجة، فلقد انتهى أوان سياسة ضبط النفس وعلى السلطات اللبنانية ان تتحمل مسؤولية ما يجري"على اراضيها ومن اراضيها".
 توجه اسرائيل حربها ايضاً ضد الشعب اللبناني الذي برأيها يدعم "حزب الله" ويقف الى جانبه ويشاطره نظرته المعادية لإسرائيل. فعودة العمليات العسكرية الى قرى الجنوب وبلداته، بعد هدوء حذر استمر أقل من ست سنوات، يشكل ضربة موجعة وقوية جداً للسكان المدنيين الذين يشكلون بصورة اساسية القاعدة الشعبية والانتخابية للحزب. لقد جربت اسرائيل في الماضي أكثر من مرة مقولة الضغط على الجنوبيين وترهيبهم كوسيلة لتأليبهم ضد زعاماتهم وضد قيادة "حزب الله" تحديداً ولم يؤدّ ذلك الى النتائج المرجوة. أما اليوم فالقيادة العسكرية مدركة تماماً موقف السكان المتعاطف مع الحزب والمؤيد له في المواجهة القاسية وغير المتكافئة التي يخوضها حالياً ، من هنا المطلوب ايضاً اسرائيلياً تدفيع هذا الجمهور المتعاطف الثمن بالارواح وبالممتلكات.
بالطبع لا تنسى اسرائيل أسيريها، ولكنها تخوض هذه المرة معركة ضارية تعتبرها معركة دفاع عن النفس وعن جوهر الكيان الصهيوني. ويمكن ان نجد صدى لذلك في كل المواقف والتصريحات. فالواضح وجود نوع من اجماع بين الزعماء الاسرائيليين على مختلف نزعاتهم الحزبية بشأن صواب الحرب ضد لبنان مع تفاوت بين المؤيد لتصعيدها وتوسيعها والمحذر من مغبة فتح جبهة ثالثة مع سوريا رغم كل الاتهامات الاسرائيلية حول الدور الذي تلعبه سوريا وايران في ما يحدث.
في اليومين الأولين للقصف الصاروخي لـ"حزب الله" على المدن والمستوطنات، بذلت القيادة العسكرية والسياسية الاسرائيلية جهداً لتحضير السكان المدنيين لحياة الحرب والمواجهة والملاجىء، وفي الوقت عينه ذكّرت بأن المواجهات ستستمر لوقت غير محدد، مما يعني ان على الاسرائيليين ان يعدوا العدة لتحمل هذا الوضع. ويشكل هذا رداً غير مباشر من جانب الاسرائيليين على الحرب النفسية التي يشنها "حزب الله" والرهانات على عدم قدرة المجتمع المدني في اسرائيل على تحمل ظروف القصف والخطر لمدة طويلة.