من السهل عندما تشاهد العنف المنتشر في الشرق الاوسط هذه الايام أن يراودك الاحساس بأنك شاهدت مثل هذا الفيلم من قبل، وأنك تعرف كيف سينتهي ـ بصورة سيئة. ولكننا لم نشاهد هذا الفيلم من قبل. هناك شيء جديد يتبلور، ومن الافضل فهمه.

فما نشاهده في العراق والمناطق الفلسطينية ولبنان، هو محاولة من جانب الاحزاب الاسلامية لاستخدام الانتخابات لتحقيق هدفها طويل المدى بأسلمة العالم العربي الاسلامي. وما يحدث ليس نزاعا حول سجناء لبنانيين او فلسطينيين في اسرائيل، هذا صراع قوة داخل لبنان وفلسطين والعراق حول من هو صاحب القرار في حكوماتهم «الديمقراطية» المنتخبة حديثا، وما اذا كانت ستصبح ديمقراطيات حقيقية.

فالجناح العسكري الصغير لـ«حماس» هو الذي يمسك بكل الخيوط في السياسة الفلسطينية، ويفعل «حزب الله» الاسلامي الشيعي، المدعوم من ايران، نفس الامر في لبنان، بالرغم من كونه اقلية محدودة في الحكومة، ونفس الامر ينطبق على الاحزاب الشيعية والميليشيات المدعومة من ايران في العراق. وهم لا يوضحون فقط من هو الزعيم في كل ديمقراطية جديدة، بل يتنافسون مع بعضهم البعض لتحقيق نفوذ اقليمي.

ونتيجة لذلك اختطفت التجربة الديمقراطية في العالم العربي الاسلامي، التي جرت بعد احداث 11 سبتمبر. نعم عقدت، بصفة اساسية، انتخابات حرة وعادلة في لبنان والمناطق الفلسطينية وفي العراق. نعم توجه الملايين من الناس للتصويت في العالم العربي الاسلامي، لانهم يريدون حقا صياغة مستقبلهم.

الا ان جذور الديمقراطية ضحلة في هذه الاماكن والاغلبية المعتدلة ضعيفة للغاية ومهددة، بحيث اننا نحصل على الأسوأ.

فالاحزاب الاسلامية المنتخبة تصل الى السلطة، ولكنها تصر على الاحتفاظ بميليشياتها وجيوشها الخاصة، وترفض تحمل مسؤوليات حكومة سيادية. وترفض السماح لحكوماتها بالسيطرة على كل الاسلحة. وترفض الالتزام بالقانون الدولي (اقرت الامم المتحدة الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية)، وترفض الالتزام بمبدأ انه لا يمكن لحزب واحد دفع البلاد نحو الحرب.

ويوضح المنظر السياسي الاسرائيلي يارون ازراحي الموقف بقوله، «عقد العراق ولبنان والفلسطينيون انتخابات ديمقراطية. وكانت التوقعات الغربية ان هذه الانتخابات ستؤدي الى ظهور حكومات شرعية، لديها سلطة السيطرة على العنف وتتحمل اعباء الحكم. ولكن ما حدث في الاماكن الثلاثة هو اننا «قدمنا» حكومات ذات سيادة على الورق فقط، وليس على الاراضي».

لماذا اذن تنتخب احزاب مثل«حماس» و«حزب الله»؟ لانها طرحت نفسها في مواجهة فساد الاحزاب العلمانية القديمة الواقعة تحت سيطرة الدولة، كما اوضح ازراحي. ولكن ما ان يصل الاسلاميون الى السلطة حتى يعودوا الى خدمة مصالحهم الحزبية، وليس مصالح المجتمع.

وذكر بطرس حرب، وهو برلماني مسيحي لبناني، «يجب ان نقرر من لديه الحق لاتخاذ قرارات الحرب والسلام في لبنان. فهل هذا الحق هو من حق الشعب اللبناني ومؤسساته الشرعية، أم هل الاختيار في يد أقلية من اللبنانيين؟».

ونفس الشيء ينطبق على الديمقراطيتين الناشئتين في كل من فلسطين والعراق. ويقول إزراحي: عندما تكون للوزراء ميليشياتهم الخاصة التي تعمل خارج سلطة الدولة، لا يصبح للممارسة الديمقراطية وبناء الدولة أي معنى.

لماذا لا تعاقب الأغلبيات الصامتة هذه الأحزاب الاسلامية المنتخبة على عملها ضد المصالح الحقيقية لشعبها؟ لأن الذين يتحدثون ضد «حماس» و«حزب الله» ينظر اليهم اما كـ«تابعين للأميركان» او يكون مصيرهم القتل، مثلما حدث لرئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.

العالم في حاجة الى تفهم ما يجري هنا، أي ان الديمقراطية الناشئة في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية تدوس عليها الميليشيات الاسلامية المدعومة من سورية، التي تعمل جاهدة على عدم قيام ديمقراطية حقيقية في المنطقة، والميليشيات الاسلامية التي تدعمها ايران، التي تعمل جاهدة ايضا على عدم ترسيخ الحداثة في المنطقة.

ربما يكون المتشككون على صواب. فهم يرون ان الديمقراطية لا يمكن ببساطة تطبيقها في كل مكان. لا شك في انها لن تنجح في العالم العربي ـ الاسلامي اذا وقفت الولايات المتحدة وبريطانيا وحدهما وراء تطبيقها في العراق، وإذا لم تتحد الأطراف العربية المعتدلة وتتخذ موقفا قويا، وإذا لم يسمح للأحزاب الاسلامية المشاركة في الحكومات ويكون التعامل معها من منطلق الاحترام، في الوقت الذي تملك فيه هذه الأحزاب جيوشها الخاصة.

التجربة الديمقراطية بكاملها في العالم العربي ـ الاسلامي تواجه خطرا، وهي في الوقت الراهن تحترق.