كل الطرق "مسدودة" في الشرق الأوسط... والأزمة "تختطف" قمة "الثماني"!

حالة الصخب والعنف وتردي الوضع المحموم في الشرق الأوسط، وشواهد تحول العنف في العراق إلى حرب أهلية حقيقية، وتحول قمة "الثماني" إلى "قمة أزمة"، موضوعات ثلاثة نضعها تحت دائرة الضوء في جولة سريعة في الصحافة الفرنسية.

طريق مسدود: بهذا العنوان انطلقت صحيفة لوموند في افتتاحية خصصتها للمواجهة الراهنة في الشرق الأوسط. فخلال أسبوعين فتحت إسرائيل جبهتين، في نفس الوقت، وبنفس القدر من العنف الأهوج، بزعم التصدي لمتطلبات تحرير ثلاثة من جنودها أسر "حزب الله" اثنين منهم يوم الأربعاء الماضي، وأسر ناشطون فلسطينيون الثالث قبل ذلك. وعندما أعلن "أولمرت" أن عملية "حزب الله" تعد بمثابة "إعلان حرب" فإنه أخطأ وأصاب التوصيف في نفس الوقت. سياسياً الهدف الواضح للعملية هو استفزاز إسرائيل، ولكنْ قانونياً لا تعد إعلان حرب، لأن الدولة اللبنانية التي يعتدي عليها "أولمرت" ليست هي من فعل ذلك. ثم، تقول لوموند، هل بدأت الأزمة الحالية في غزة باختطاف العريف شاليت؟ أم أنها بدأت منذ انتخاب حركة "حماس"، وبمبادرة من طرفه هو؟ وعلى العموم، فكل الطرق مسدودة الآن في هذه الأزمة، وأمام الجميع. فطريق الفلسطينيين مسدود، ووضع الرئيس عباس يسير من تهميش إلى تهميش. وطريق لبنان مسدود أيضاً وسيكون على حكومة السنيورة أن تتجرع، شاءت أم أبت، نتائج مواجهة لم تتسبب هي فيها. وطريق الإسرائيليين مسدود كذلك، ولن يكون في مقدورهم الآن لا تحرير أسراهم ولا وقف عواصف قذائف الكاتيوشا التي تمطر بلداتهم الشمالية. أما المستفيدون الوحيدون، ولو تكتيكياً، من المواجهة الحالية فهم –تقول لوموند- "حزب الله"، و"حماس" وطهران، الذين خلطوا بهذه الطريقة أوراق الملف النووي الإيراني مع أوراق الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي، واللبناني- الإسرائيلي. ويبقى المجتمع الدولي! وطريقه هو الآخر مسدود، لما أبداه من عجز وعدم فاعلية في التأثير على أي من أطراف الأزمة. وأكثر انسداداً من الجميع طريق الأميركيين والأوروبيين، الذين أظهروا عدم فاعلية حقيقية تاركين منطقة ملغومة كالشرق الأوسط تنزلق إلى نزاع مفتوح قد يخرج عن كل سيطرة، وبطريقة مباغتة لا تخطر على بال أحد. أما في صحيفة لوفيغارو فقد كتب نديم حصباني مقالاً بعنوان: "لماذا يجب نزع سلاح حزب الله اللبناني"، اعتبر فيه أن حرب الحزب الحالية غير مبررة خاصة بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، كما أن "الحزب يأخذ لبنان كله رهينة حرب" لأجندته الخاصة. وهي نفس النبرة التي نجدها أيضاً في مقال آخر لجورج مالبرينو (الصحفي المختطف السابق في العراق)، والعنوان ينطق بكل شيء: "حزب الله اللبناني أكثر وفاءً لطهران منه لبيروت". أما مجلة الأكسبريس فقد اعتبرت أن زعيم "حزب الله" أعلن رسمياً الحرب على إسرائيل، ومع ذلك فإن الـ150 هدفاً التي ضربتها هذه الأخيرة في لبنان، لا ترتبط في معظمها بـ"حزب الله"، وهو ما يشير إلى نوايا إسرائيلية بالذهاب ربما أكثر مما هو معلن.

خطر اضمحلال العراق: للمسألة العراقية خصصت صحيفة لوموند افتتاحية اعتبرت فيها أن يوم الأحد الماضي 9 يوليو، ربما يصلح للتأريخ لبداية حرب أهلية فعلية في العراق، وذلك نظراً للتحول الخطير الذي أخذته أعمال العنف المذهبية، حيث توزع عشرات المسلحين في مناطق مختلفة من بغداد، وأخذوا يفتشون المارة ويتحققون من هوياتهم ويعدمونهم على الهوية فقط، وبشكل تلقائي. وقد بلغت هذه الأعمال الذروة في حي "الجهاد" وحده حيث قتل 57 سنياً على أيدي مسلحين ملثمين شيعة. وفي اليوم التالي تكررت نفس الأعمال في حي الغزالية، الذي هجره العديد من سكانه خوفاً من مصير كمصير سكان حي "الجهاد". ومن وجهة نظر كثير من العراقيين فإن بلوغ الوضع هذه الدرجة من التردي يدق آخر مسمار في مبررات الوجود العسكري الأميركي من الأساس. فماذا يفعل الأميركيون في بغداد الآن إن لم يكن وقف مثل هذا النوع من العنف الطائفي؟ فبعد ثلاث سنوات من سقوط نظام صدام ها هم مازالوا موجودين... والحرب الأهلية إلى جانبهم طبعاً. ومع ذلك للمفارقة فإن المبرر الوحيد لاستمرار الوجود الأميركي، والذي ما زال مرفوعاً –تقول لوموند- هو تلافي وقوع حرب أهلية. لأن حلم "الدمقرطة" تبدد منذ زمن بعيد، ويستحيل أصلاً مع استمرار العنف، وحلم "إعادة الإعمار" أصبح أقرب إلى النكتة عند البغداديين البسطاء الذين لا ينالون من الكهرباء سوى 3 ساعات يومياً في أحسن الأحوال. ويبدو أن المبرر الوحيد أخذ يتآكل هو الآخر، خاصة أن ضحايا مجزرة حي "الجهاد" ظلوا يستصرخون مدة خمس ساعات متتالية ولكن القوات الأميركية لم تتدخل. والحقيقة القائمة على أرض الواقع، تقول الصحيفة، هي أن الأميركيين قنعوا الآن من "المهمة" في العراق بـ"المنطقة الخضراء" في بغداد، التي انكفأوا فيها عن بقية البلاد التي يسمونها "المنطقة الحمراء. والأخطر من ذلك أيضاً أن القوات الأمنية العراقية مهددة هي الأخرى بالتمزق وفقاً للولاءات العائلية والمذهبية، وهو ما من شأنه إلى جانب تنامي نشاط الجماعات الإرهابية وأجواء الرعب أن يعجل باضمحلال الكيان العراقي من الأساس. أما الكاتب ألكسندر أدلر فقد اعتبر في نفس الصحيفة أن "الثيوقراطية الإيرانية هي أكبر ضحية لنزاع العراق"، وذلك بفعل المحصلة النهائية التي سيصب فيها هذا النزاع. وفي صحيفة لوموند كتب الرئيس الكازاخستاني نورسلطان نزارباييف، مقالاً بعنوان: "النووي... نصيحتي لإيران"، استعرض فيه الكيفية التي استغنت بها بلاده عن السلاح النووي بعد استقلالها ودون أن يلحق بها أي ضرر.

قمة أزمة "الثماني": بيير روسلين كتب افتتاحية في لوفيغارو قال فيها إن الدورة الحالية لقمة "الثماني" بسان بطرسبورج في روسيا تتميز بأنها قمة أزمة حقيقية، حيث اختطفت أحداث الشرق الأوسط الحالية أجندتها التي كان يفترض أن تركز أصلاً على أمن الطاقة والملفين النوويين الإيراني والكوري الشمالي. فبعد تردي الوضع على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية لا يبدو أن الثمانية الكبار يستطيعون فعل شيء مجتمعين للجم انزلاق الوضع إلى ما هو أخطر، خاصة بعد تصعيد إسرائيل بقصفها غير المبرر لمطار بيروت. والدولة الوحيد في مجموعة "الثماني" التي تستطيع فعل شيء هي روسيا، التي تملك أوراق ضغط على حليفي "حزب الله" إيران، وسوريا، وأيضاً على "حماس"، التي انفردت بكونها الطرف الوحيد في "الرباعية الدولية" الذي تعامل مع حكومتها. فهل يثبت الرئيس بوتين أن رئاسته لقمة "الثماني" يمكن أن تترجم إلى لعب دور إيجابي يحوله إلى "مطفئ حرائق" في الشرق الأوسط، وأيضاً في كوريا الشمالية التي يملك أوراق ضغط عليها هي أيضاً؟ وفي صحيفة ليبراسيون نقرأ عنواناً يقول: "في قمة الثماني: بوتين يتحدث عن لبنان أكثر من الديمقراطية"، اعتبر كاتبه أن قيصر الكريملن الجديد يفضل الآن امتطاء صهوة أحداث الشرق الأوسط لمشاغلة ضيوفه عن المسائل التي يزعجه الحديث عنها كالديمقراطية وحقوق الإنسان.