"هذا ما أريده، إذا كنت تظن أن الرئيس شيراك أو أنت تستطيعان أن تحكما لبنان فأنتما مخطئان، فذلك لن يحدث. لحود هو أنا وما أقوله له ينفذه، وهذا التمديد سيتم وإلا فإني سأحطم لبنان على رأسك وعلى رأس وليد جنبلاط، إما أن تفعل ما نقوله لك وإلا فسنتعامل معك ومع أسرتك أينما كنت." هذه الكلمات ذكر سعد الحريري في تقرير لجنة ميليس أن رئيس النظام السوري بشار الأسد أخذ يهذي بها في اللقاء الأخير الذي جمعه مع رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري في 26آب/أغسطس من العام 2004. تشير مجريات الأحداث الحالية في لبنان إلى أنه بعد نجاح تنفيذ أحد شقي تهديد الأسد بالتخلص من الرئيس الحريري في 43 شباط/فبراير 2005، فإن نظام الرئيس السوري ربما بدأ عملياً تنفيذ الشق الآخر من التهديد وهو الجزء الخاص بتحطيم لبنان على رؤوس اللبنانيين الذين عارضوا بشدة الاحتلال السوري للبنان، وهللوا لرحيل الجنود السوريين من الأراضي اللبنانية قبل عام.

تفاجأ النظام الحاكم في سورية في السنتين الأخيرتين بالنمو المطرد في أعداد اللبنانيين المناهضين لسياساته الإحتلالية التمييزية التفريقية التي استخدمها طوال ما يزيد على الربع قرن لتقسيم لبنان وتبرير تواجد قواته في ربوعه. وكانت المفاجأة المذهلة التي صعقت النظام السوري وأصابته بالجنون هي حالة شبه الاتحاد في الشارع اللبناني التي أفضت إليها عملية اغتيال الرئيس الحريري، حيث وقفت غالبية الطوائف اللبنانية المسيحية والإسلامية خلف القوى المعارضة للاحتلال السوري للبنان. ولذا فقد كان انسحاب القوات السورية من لبنان بمثابة الهزيمة السياسية والعسكرية المرة التي لم تتقبلها غطرسة وصلف النظام السوري، ومن ثم فقد جاء الانتقام الشامل من لبنان واللبنانيين على رأس أولويات النطام السوري.

حاول النطام السوري بعد اغتيال الرئيس الحريري الانتقام من لبنان عبر تنظيم أو تشجيع عمليات الاغتيال المتتالية التي طالت عدداً من رموز اللبنانيين المعارضين للاحتلال السوري للبنان ومنهم سمير قصير وجبران تويني وغيرهما. لكن الخوف من افتضاح ضلوع قادة النظام السوري في سياسة تفجير المعارضين وضع حداً لهذه السياسة خاصة بعدما تبينت جدية المجتمع الدولي في ضرورة وقف التدخل السوري السافر في لبنان. لم يكن هناك من طريق أمام نظام الأسد للانتقام من اللبنانيين سوى إدخال لبنان في صراع جديد مع الدولة العبرية، واستخدام الزراع العسكري الإسرائيلي الطويل والقادر على إقلاق مضاجع اللبنانيين بطول البلاد وعرضها. كان اختار النظام السوري لإسرائيل للقيام بمهمة تنفيذ العقوبات السورية ضد لبنان لسابق علم قيادات دمشق بجبروت الزراع الإسرائيلي، وبأن المجتمع الدولي لا يواجه إسرائيل بالتشدد الكافي لإيقاف أي عدوان لها على لبنان.

لأن النظام السوري يعلم تماماً أن إسرائيل يجن جنونها حين يختطف أحد من جنودها، فقد تفتق ذهن النظام السوري عن ابتكار فكرة جهنمية تمثلت في استخدام زيله الذي تركه في لبنان المعروف باسم "حزب الله" في اختطاف عدد من الجنود الإسرائيليين لإثارة غضب الساسة في تل أبيب وتحريك الآلة العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان واللبنانيين. كان رهان نظام الأسد على قيام القوات الإسرائيلية بتدمير لبنان، لا القضاء على حزب الله للأسف صائباً، فما أن اختطفت قوات جماعة "حزب الله" الجنديين الإسرائيليين حتى قامت تل أبيب بالمعاقبة الجماعية للبنانيين عبر الاعتداء على لبنان من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه دون تمييز بين من هو مؤيد أو معارض لعملية الاختطاف.

لقد كان اختيار نظام الرئيس الأسد للزراع العسكري الإسرائيلي لتنفيذ عقوبة قاسية لم يكن النظام السوري ومخابراته وقواته المسلحة بقادر على تنفيذها ضد لبنان. كما كان اختيار نظام الأسد للآلة العسكرية الإسرائيلية، التي لا تعرف الرحمة، للقيام بالانتقام من اللبنانيين بغرض مضاعفة العقوبة عبر قتل وترويع وتعذيب المدنيين، فضلاً عن تدمير البنى الأساسية والجسور والمرافق في مدن وقرى لبنان المسكين. لقد اعتمد الأسد في خطته الخبيثة لمعاقبة اللبنانيين على سياسة إسرائيل المعروفة والتي تقوم على استعراض عضلاتها العسكرية بغرض سحق، وليس فقط تحذير، أعدائها دفاعاً عن أفراد قواتها المسلحة. وعليه فقد وقعت إسرائل في فخ الأسد، فكان للنظام السوري ما خطط له بدهاء، وكأنما اتفق العدوان اللدودان سورية وإسرائيل على هدف واحد وهو تدمير لبنان الحر وعقاب اللبنانيين الأبرياء.

يخطيء من يظن أن عقوبة النظام السوري للبنان ستقتصر على عمليات إسرائيلية جوية ضد أهداف بذاتها ومنشآت بعينها، ولكن العقوبة قد تطال وحدة لبنان واستقراره في المستقبل. لقد استخدم الرئيس الأسد جماعة "حزب الله" في إستنفار الآلة العسكرية الإسرائيلية وإشعال الحرب ضد الأبرياء اللبنانيين، وليس من المستبعد أن يستخدم الأسد هذه الجماعة مجدداً في إثارة حرب أهلية جديدة في لبنان. لقد سعت جماعة "حزب الله" في السنوات الأخيرة للفوز بمزايا سياسية وعسكرية عديدة على حساب القوى الوطنية اللبنانية الأخرى معتمدة على ما يروج له أتباعها من مزاعم وتبريرات بتحقيقها انتصارات ميدانية أجبرت الإسرائيليين على الانسحاب من لبنان عام 2000، ومن ثم فقد سعت لتكريس مبدأ قدسية وأزلية المقاومة العسكرية المسلحة. فهل يفطن اللبنانيون لخطط الانتقام التي يعدها لهم عدوهم الأسد السوري؟ وهل ينبذ اللبنانيون الذيل السوري في لبنان الذي أطلق الشرارة الأولى في الحرب ضد اللبنانيين؟ وهل تفطن إسرائيل إلى أنها تنفذ باللبنانيين عقوبة الأسد التي كان توعد بها الرئيس الحريري قبل عامين؟ وأخيراً هل هناك من ينقذ لبنان قبل فوات الأوان؟