عريب الرنتاوي

إسرائيل توزع الموت والأكاذيب على جبهتي غزة والجنوب اللبناني، من رادع أخلاقي أو وازع من ضمير، ومن دون خجل أو حياء، صدّق من صدّق أو كذّب من كذّب.

تضرب مواقع الجيش اللبناني، وتطالب حكومة لبنان ببسط سيادتها على الجنوب...تضرب الأمن الوقائي في نابلس وتعتقل مائتي عنصر وضابط منهم، وتطالب أبو مازن والسلطة باستعادة الهدوء والتهدئة في "المناطق المدارة".

تقتل المدنيين شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وتزعم أنهم دروع بشرية لحماس وحزب الله، تضرب في عمق الأشرفية وتقول أن حزب الله اتخذ منها قاعدة لإطلاق الصواريخ على مستعمرات الشمال المحتل.

تقدم نفسها كذراع للأمم المتحدة وبلدوزر لتمهيد الطريق أمام تنفيذ القرار 1559، وهي التي "عهّرت" المنظمة الأممية وقرارات الشرعية الدولية، وضربت بها عرض الحائط من قيامها حتى اليوم، بل وهي التي حيّدت المنظمة الدولية وأخرجتها من أي مسعى جدي لحل الصراع العربي الإسرائيلي.

تختطف لبنان وغزة، تقتل المئات وتجرح الألوف وتشرد أكثر من نصف مليون، تمارس إرهاب الدولة بأقذر صوره وأشدها بربرية، ومع ذلك لا يتلعثم الناطقون باسمها عن توجيه الاتهامات لحزب الله وحماس بممارسة الإرهاب.

في المواجهة الأخيرة بين إسرائيل والمقاومة اللبنانية، أظهرت الأخيرة رباطة جأش وضبط نفس وأخلاقيات في القتال، أكثر بكثير مما أظهرت دولة الجيش الذي لا يقهر...وفي المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، أظهرت الأولى، بأنها المتفوقة بكل معنى الكلمة وفي كل ميادين الأخلاقية والمعنوية.

دولة النازيين الجدد، تريد لنا أن نصدق بأنها بلا تستهدف المدنيين، فيما جنودها لا يفعلون شيئا غير ذلك...دولة الإرهاب المنظم، تريد لنا أن نقبل روايتها عن "مكافحة الإرهاب" فيما هي، سياسيون ومثقفون، جنرالات وحاخامات، غارقة من الرأس حتى أخمص القدمين.

ما تفعله إسرائيل اليوم، ستحصد ثماره المرة غدا، فالعرب ودّعوا السلام ودفنوا عملياته وأوهامه...والعجز الرسمي العربي المتواطئ، سينجب أجيالا من الأصولية المجاهدة، التي ستبدو معها حماس وحزب الله، فصائل عقلانية وواقعية بأكثر مما ينبغي...والفوضى البناءة التي تريد إسرائيل أن تشيعها في المنطقة، بدءا من فلسطين ولبنان، سيرا على السنة غير الحميدة للفوضى الأمريكية "غير البناءة في العراق"، ستدفع ثمنها إسرائيل، تماما كما تدفع واشنطن ثمن خطاياها وجرائمها في العراق.

نحن على مفترق طرق تاريخي، فإفلاس النظام العربي وشيخوخته، لن يفضي إلى تعميم البدائل الديمقراطية والليبرالية لها، بل سيشجع على إطلاق بدائل أشد تطرفا وتكفيرية من كل ما عرفنا ونعرف، ولن يطول الوقت الذي ستتآكل فيه قبضة "الدولة الوطنية العربية" تحت ضغط التخاذل والتطيّف والقهر القومي والقمع السياسي، وعندها سيتعين على حكومات إسرائيل المقبلة، أن تتعامل مع عشرات التنظيمات من نوع حماس وحزب الله، ومئات القادة من طراز حسن نصر الله وخالد مشعل.