الغد

مشكلة الحرب اليوم أنها تعاكس رأي الخبراء الغربيين، فالقضية تتجاوز معارك تدور في الجنوب اللبناني أو حتى طاقة حزب الله على الاحتمال، وتدخل في إطار تكسير "المعتاد" في السياسة الشرق الأوسطية التي قامت دائما على البحث عن الحدود الدنيا لبدأ مسارات التسوية، فهذه الاستراتيجية فقدت على ما يبدو آلياتها، ودخلنا مرحلة جديدة تنعدم فيه الحدود الدنيا. ويصبح الأمر مرهونا فقط بخلق مساحات متقدمة من التشويش أو القلق.

وزيرة الخارجية الأمريكية أبدت عدم استعجالها لوقف إطلاق النار .. وربما يكون هذا الأمر مفهوما في حال حروب واضحة في مساحتها وجيوشها، لكن ما يحدث في لبنا هو معركة سياسية بأدوات عسكرية، والرهان الأمريكي متوقف على كسر عجلة السياسة في المنطقة ... فما يطرح أشبه بافتراض نهاية للحرب على سياق الحرب العالمية الثانية، حيث كسر الإرادة لا يكفي بل لا بد من إنها كل أشكال الجغرافية – السياسية القديمة وتصفيتها.

هذا التصور لطبيعة التعامل مع "الشرق الأوسط الكبير" يضع مسألة "المواجهة" القائمة خارج الحسابات المعروضة اليوم داخل الجدل السياسي. لكننا نستطيع النظر إلى هذا الموضوع ضمن آليات "الحرب" التي تعمد ليس إلا إرهاق دول المنطقة بل أيضا إلى إيجاد اختراقات داخل البنية السياسية على هشاشتها، حيث بدأنا نسمع عبر الفضائيات أصواتا تصور الوضع وكأنه "كارثة محتملة". والمسألة ليست في تقدير الخطر، فالخطر قائم وأكبر مما يتوقعه البعض، لكن استعراضه بأشكال مختلفة ينعكس مباشرة على البنية الداخلية للشرق الأوسط إجمالا مخلفا "ثقافة هلع" على كافة الصعد، وهو امر ليس بعيدا عن وضعية الحرب القائمة اليوم.

وإذا كان من الخطأ تخفيف الخطر أو حتى عدم التطرق إليه، فإنه من الضروري أيضا التعامل مع "المواجهة" القائمة والمحتملة وفق فهم أساسي هي أن الدفاع اليوم عن المجتمع أولا وأخيرا، وتطوير بنيته بدلا من الدخول في متاهات الرد والسجال حول الأخطاء التي ارتكبت أو التي يمكن أن ترتكب. فإذا كنا لا نريد ارتكاب أخطاب فعلينا بالفعل أن نتعامل مع المشكلة من زاوية المواجهة، وليس عبر تحقيق المكاسب السريعة أو المحتملة نتيجة الضغوط على سورية.

ماذا يمكن أن يحدث في لـ"مخاض" الشرق الأوسط؟ أمر متعلق بنا فقط، حيث لا يمكن التعامل مع الحرب الحالية على قواعد قديمة، أو حتى السماح بتوسيعها وفق القواعد الإسرائيلية فقط، فالمسألة تتطلب بالفعل دخول الحرب وفق قراءة تتجاوز حتى المسائل العسكرية، وربما بمراجعة لجغرافيتنا – السياسية والبحث فيها لأنها مفتاح النجاح في هذه الحرب.