من روما، حيث نسفت أمريكا خلال المؤتمر الدولي فرص وقف إطلاق نار مبكر في لبنان، إلى بنت جبيل حيث نسفت المقاومة اللبنانية فرص تحقيق إنجازات عسكرية “إسرائيلية” سريعة، ثمة حقيقة مشتركة واحدة: لا حلول عسكرية مع “حزب الله”، ولا حلول دبلوماسية من دون سوريا وإيران.

في الجانب الأول، أي الحل العسكري، بدأت القيادتان العسكرية والسياسية “الإسرائيلية” تدركان أن الغارات الجوية المدمّرة لن تستطيع تحييد صواريخ حزب الله، وان الحرب البرية لن تتوقف سواء أكانت مساحة الحزام الأمني الجديد كيلومترين عرضاً، من كفركلا إلى رأس الناقورة، او 30 كيلومتراً طولاً من الحدود إلى منطقة القاسمية. وهو إدراك بدأ جنرالات “إسرائيل” يبررونه بصيغ “فلسفية” و”تاريخية” و”إستراتيجية”.

وهكذا أكتشف الجنرال إيدو نيهوشتان، عضو هيئة الأركان العامة “الإسرائيلية”، أن “الحرب المدينية الراهنة كانت ولا تزال هي هي في التاريخ: من أصعب الحروب على الإطلاق”. وهكذا أيضاً، كان وزير الأمن “الإسرائيلي” أفي ديتشر يبرر فشل الجيش “الإسرائيلي” في بنت جبيل بالقول إن تل أبيب لم تشأ تكبيد المدنيين اللبنانيين خسائر فادحة، وكأن مئات اللبنانيين الذي قضوا أو جرحوا خلال “حرب الأسيرين”، فعلوا ذلك هم أنفسهم بأنفسهم.

بالطبع، لا يزال في وسع “إسرائيل” فعل الكثير، بفعل الخلل الفادح في موازين القوى العسكرية بينها وبين المقاومة عدداً وعدة. فهي قادرة على تغيير استراتيجيتها المحدودة الراهنة والانطلاق لاحتلال كل جنوب لبنان عبر زج 100 ألف جندي في المعركة، كما يطالب الآن كبار جنرالاتها. كما في وسعها توسيع نطاق حزام النار لتسوية العديد من مدن وقرى المنطقة بالأرض.

بيد أن كل ذلك( ومجدداً) لن ينهي الحرب لسببين: الخلل لصالح حزب الله في موازين قوى الإرادة القتالية، وقدرة هذا الحزب على القتال لشهور إن لم يكن لسنوات عدة، ليس فقط عبر تكتيك حرب العصابات، بل أيضاً من خلال إستراتيجية حرب الصواريخ المدينية.

الآن، وطالما ان الصورة العسكرية على هذا النحو، لماذا تصر تل أبيب وواشنطن على مواصلة الحرب ورفض وقف النار؟

لسببين: الأول، أنهما لا تستطيعان قبول فكرة انتهاء الحرب ب “لا غالب ولا مغلوب”، كما حدث في حرب العام ،1996 لأن ذلك سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 12 يوليو/ تموز الماضي، من جهة، وسيجعل من حزب صغير كحزب الله قادر على كسر هيبة الردع الإستراتيجي “الإسرائيلية” (والأمريكية)، من جهة أخرى. والثاني، لأن تل أبيب وواشنطن لا تريدان الدخول إلى حمام المفاوضات الإقليمية والدولية، إلا بعد أن تغسلا بالدم ورقة حزب الله وجنوب لبنان، مما يفترض أن يجعل هذه الورقة تهن، او تضعف، أو على الأقل تتزعزع.

لكن، وحتى لو نجحت الجحافل “الإسرائيلية” في اختراق كل مواقع المقاومة في الجنوب، سيبقى ثمة معيار جديد سيلعب دوراً مهماً في المفاوضات وهو حجم الخسائر “الإسرائيلية”: فإذا ما كانت هذه الخسائر كبيرة، ستكون المواقع التفاوضية “الإسرائيلية” والأمريكية موقع تشكيك إن لم يكن محط سخرية من الأطراف الدولية والإقليمية. والعكس صحيح.

وبما ان الاحتمال الأول هو المرجّح، كما تدل على ذلك معارك مارون الرأس وبنت جبيل التاريخية، لن يكون أمام أمريكا و”إسرائيل” في النهاية سوى التلفّت حولهما دبلوماسياً للعثور على “إستراتيجية خروج” تلبي أهداف دخولهما إلى المعمعة اللبنانية.

وهذا سيضعهما، كما ألمحنا في البداية، وجهاً لوجه أمام ضرورة تجرع الكأس السوري والإيراني، سواء سلماً أو حرباً.

كيف؟